الزمن اللازم للقراءة: 6 دقيقة
دول الخليج العربي بعد النفط.

جهود الإمارات الرامية لتعزيز التعليم

مقالة خاصة
بقلم هبة هاشم
طلاب في معرض العلوم في ابو ظبي
في الإمارات العربية المتحدة، كما في دول الخليج الاخرى، التعليم هو مفتاح رئيسي لتنويع الاقتصاد الصورة موردة من مهرجان ابو ظبي للعلوم

تأمل الإمارات العربية المتحدة أن يقود، عملية التنويع الاقتصادي في البلاد، مجتمع يتمتع بمستوى تعليمي عالٍ بعدما خضع المنهج الدراسي لإصلاحات في الآونة الأخيرة. لكن السؤال الذي يُطرح نفسه هو هل سيشكل الضغط الكبير في مهنة التدريس عائقاً يحول دون تحقيق الهدف؟

عندما أعلنت وسائل الإعلام المحلية في الإمارات العربية المتحدة أن 319 مدرساً إماراتياً قد تركوا وظائفهم في المدارس الحكومية خلال العام الماضي، اعتُبر ذلك مؤشراً على أن نظام التعليم في البلاد يعاني مشكلة جدية. فقد قيل إن المدرسين يستقيلون من وظائفهم بسبب الضغط الكبير في العمل، والأجور المتدنية، فضلاً عن غياب الحوافز وعدم تقديرهم. ونُقل عن بعض المدرسين قولهم إن هذه المهنة "أصبحت شبه منفرة"، ما دفع "بالمجلس الوطني الاتحادي" إلى التحقّق من صحة هذه المزاعم لدى وزارة التربية والتعليم.

 

وفي حين ظهرت هذه الإحصاءات في وسائل الإعلام خلال شهر حزيران/يونيو الماضي، كانت العديد من المؤشرات الأولية قد أشارت إلى وجود عدم توازن واستياء في أوساط النظام التعليمي الإماراتي، على الرغم من اختلاف ظروف العمل بين القطاعين العام والخاص، وكذلك في مختلف القطاعات ضمن القطاع الخاص نفسه. فبعض المدرسين الهنود المغتربين قد يتقاضون أجوراً متدنية تصل إلى 1250 دولاراً (4500 درهم إماراتي) شهرياً.

 

وفي هذا الإطار، أفاد مدير "ساي فيست دبي" روهان روبرتس أنه "لا شك على الإطلاق في أن المدرسين يعانون من ضغط عمل كبير في الإمارات. ولا يدرك معظم الأشخاص أن المدرسين لا يمضون سوى 10% من وقتهم في التعليم وإعطاء الدروس، في حين أن الوقت المتبقي مخصص للعمل الإداري فحسب، مع العلم بأن الأجور التي يتقاضونها لا تتماشى مع العمل الذي يؤدونه". إن 10% من وقت المدرسين مخصص للتعليم في حين أن الوقت المتبقي مخصص للعمل الإداري فحسب.

 

تفسير أسباب الأداء الضعيف


طالب في معرض العلوم في ابو ظبي
خلال العقود الماضية، أحرزت المعايير التعليمية في الإمارات تقدماً هائلاً بفضل طفرة الثروات المتأتية من النفط الصورة مزوّدة من مهرجان أبوظبي للعلوم

 

تؤثّر قلة الحوافز في أداء المدرسين في الصف وبالتالي في تعليم الطلاب. ففي بعض الحالات، يركّز المدرسون على الدروس الخصوصية لزيادة دخلهم. وقد لا يكون ذلك مستغرباً في سياق عالمي، غير أنه يكتسي أهمية كبيرة في الإمارات، وهي دولة تراهن على مستقبلها وتربطه بالانتقال من اقتصاد قائم على الثروة النفطية إلى اقتصاد المعرفة، وهي عملية ستستلزم قوة عمل تتمتع بمستوى عالي من التعليم. وفي حين أن حجم الإنفاق على قطاع التعليم في الإمارات بلغ مستويات مرتفعة، وأحرزت البلاد تقدماً مطّرداً وفق المعايير الموحدة على غرار "برنامج التقييم الدولي للطلبة" (بيسا) الخاص "بمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي"، لا يزال الطلاب يقدّمون أداء ضعيف بالمقارنة مع نظرائهم العالميين.

 

قد تكون هناك بعض الظروف التخفيفية. وأشار المدير الإداري أشوين أسومول من شركة الاستشارات "بارثينون-أرنست أند يونغ" إلى أن أحد الأسباب يُعزى إلى وجود شريحة طلابية متباينة إلى حدّ كبير. فعلى سبيل المثال، قد يسجل الطلاب في مدرسة بريطانية أقامت فرعاً لها في الإمارات درجات أدنى في المعدل بالمقارنة مع نظرائهم في المدرسة في البلد الأم، ويعزو أسومول ذلك إلى الخلفيات التعليمية والثقافية المختلفة في أوساط الطلاب في دبي، حيث أن الإنكليزية ليست اللغة الأم بالنسبة إلى بعض الطلاب، ما يصعّب على المدرسين ضمان حصول جميع الطلاب على علامات مرتفعة.

 

الطالبات يتفوقن على الطلاب الذكور

 

مع ذلك، أظهر استطلاع أجرته شركة "إيكونوميست إنتليجنس يونيت" عام 2014 أن الطالبات في الإمارات يتفوقن على نظرائهن من الذكور، ويقدّمن أداء أفضل في مواد العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (ما يُعرف بمواد STEM). ووصف المدرسون الذين أجرت معهم الشركة مقابلات لإعداد الدراسة الطالبات الإماراتيات بأنهن أكثر عزماً وتصميماً من نظرائهن الذكور.

 

ويعاكس هذا الواقع قاعدة عالمية ألا وهي أنه في البلدان الأخرى في العالم، تقدّم الإناث أداء أفضل من الذكور في المعدل في كافة المواد باستثناء العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، في حين أنهن في منطقة الخليج يتفوقن على نظرائهن الذكور في كافة المواد في المعدل، حسبما ذكر ديفيد جونز، وهو خبير اقتصادي متخصص في شؤون سوق العمل ومؤسس مركز "ذي تالنت إنتربرايز" الاستشاري في مجال الموارد البشرية والبحوث، ومقره دبي. ويعتقد جونز أن هذه الفجوة في الأداء التعليمي بين الجنسين تُعزى جزئياً إلى واقع أن العديد من الفتيات الإماراتيات يتلقين تعليمهن على أيدي مدرسات إماراتيات، أي أنهن يملن بالتالي إلى إقامة علاقة أفضل مع مدرساتهن، مع العلم بأنهن أكثر انضباطاً وتركيزاً في الصف ويتلقين "أنواعاً أخرى من الدروس المفيدة غير الرسمية التي لا تندرج ضمن المنهج الدراسي".

 

في المقابل، يتلقى غالبية الطلاب الذكور الإماراتيين الذين يرتادون المدارس الثانوية الحكومية دروسهم بشكل شبه كامل على أيدي مدرسين مغتربين قد لا يلتزمون بالتعليم في البلاد على المدى الطويل، في الوقت الذي يغيب فيه أيضاً جانب التعليم الذي يفترض بأن يكون المدرس قدوة لطلابه ويبني معهم علاقة كما هي الحال مع الطالبات والمدرسات. بالنسبة إلى الإماراتيين، لا يُعتبر التعليم مهنة مرغوباً فيها أو ذات اعتبار على وجه الخصوص.

 

ولفت جونز (الذي يرى وضعاً مماثلاً في قطر) إلى أنه "منذ تقدم البلاد ونموها، كان التعليم يُعدّ عادة من بين المهن المتاحة أمام النساء من وجهة نظر ثقافية، وكان يُعتبر مهنة تحظى بالكثير من الاحترام". في المقابل، لا يُعدّ التعليم بالنسبة إلى الإماراتيين الذكور مهنة مرغوباً فيها أو ذات اعتبار على وجه الخصوص. وقد أسفرت هذه النظرة الواسعة الانتشار إلى إقدام المغتربين الرجال على ملء هذه المناصب خلال العقود القليلة الماضية. واستناداً إلى صحيفة "ذي ناشونال" المحلية، لا يشكّل الذكور سوى نسبة 6.8% من إجمالي عدد موظفي "مجلس أبوظبي للتعليم" في المدارس الإماراتية الذي وصل إلى 1485 في العام 2014. ومن بين المدرسين الذين يعملون لصالح وزارة التربية والتعليم وقد بلغ عددهم 28078 مدرساً في 2014، لا يمثّل الرجال الإماراتيين سوى نسبة 5.8%.

 

كيف يمكن سد الفجوة في التعليم؟

 

لقد حاولت وزارة التربية والتعليم عكس هذا المنحى من خلال تحفيز المدرسين الإماراتيين عبر دفع أجور أعلى، وفقاً لما أعلنه قيس محمد راشد التميمي، وهو أستاذ إماراتي كان يعمل في جامعة الإمارات العربية المتحدة منذ العام 1987 وهو يقوم الآن بتدريس مادة الإنسانيات والعلوم الاجتماعية. غير أن التميمي شدّد على أنه سيصعب استقطاب الرجال الإماراتيين نحو مهنة التعليم عموماً طالما أنه ثمة وظائف أخرى تقدم أجوراً أفضل.

 

ويفضّل التميمي، الذي يتبع مقاربة بدأت تشهد انحساراً في مدارس الصبيان التي تخضع لهيمنة المدرسين المغتربين، أن يبقي المسافة التي تفصله عن طلابه عند أقل قدر ممكن. ويقول في هذا السياق إنه "كلما كنت شخصاً إجتماعياً، ازداد عدد الطلاب الذين يثقون بك ويستمعون إليك. ولا بد من إقامة علاقة جيدة معهم، على أن تبقي على الحدود الفاصلة بين المدرس والطلاب، ومكافأتهم في حال اجتهدوا في دراستهم. فنجاح المدرس يعني نجاح طلابه".

 

إضافة مادة الفنون والانتقال من STEM إلى STEAM

 

يعتقد روبرتس، الذي شارك في تأسيس "ﻛﺎﻓﻴﻪ ﺳﻴﺎﻧﺘﻴفيك" في دبي قبل أربعة أعوام، أن أحد الأسباب خلف الأداء السيئ لطلاب الإمارات في مقررات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات يكمن في طريقة تعليم هذه المواد. وأفاد في هذا الإطار أن "ما نفتقر إليه في الدرجة الأولى في دبي يتمثّل بعدم إلهام الطلاب وحثهم على حب العلوم والتفكير العلمي. فنحن نمارس ضغوطاً على الطلاب لكي يركّزوا على امتحاناتهم وكتبهم ومقرراتهم والمناهج الدراسية، ولا ننظر إلى أبعد من ذلك. وفي حال أردنا أن يكون الطلاب ابتكاريين ومثقفين من الناحية العلمية، لا بدّ من دمج مواد من الفنون ضمن العلوم، ولهذه الأسباب يكمن المنحى عالمياً في الانتقال من مواد STEM إلى STEAM، على أن يمثل الحرف A كلمة الفنون في اللغة الإنكليزية".

 

طلاب جامعيين
في ظل توافر رواتب أعلى وتقدير أكبر في قطاعات أخرى، قليلون الرجال الإماراتيون الذين يزاولون مهنة في قطاع التربية والتعليم المصور: طلاب جامعيين من الإمارات العربية المتحدة الصورة مزوّدة من مهرجان أبوظبي للعلوم

 

لا بدّ لمقاربة متكاملة مماثلة من أن تؤدّي إلى إدراج الإستراتيجيات المرتبطة بالأفلام، والفنون الجميلة، والأداء، والرقص، وفن التصوير، ضمن مقررات STEM. غير أن المدرسين في الإمارات لم يتلقوا عموماً أي تدريب للانتقال إلى مرحلة STEAM، وهي عملية مستمرة، بحسب روبرتس الذي أضاف أن "بعض الخطوات التي نتخذها ضمن فعاليات "ساي فيست دبي" و"ﻛﺎﻓﻴﻪ ﺳﻴﺎﻧﺘﻴﻔﻴﻚ" تثير حماسة الطلاب حيال العلوم وتدفع بهم إلى إخراجها خارج حدود الصف".

 

التطلع إلى المستقبل

 

خلال آب/أغسطس، أعلنت الإمارات عن مراجعة المنهج التعليمي وإجراء مجموعة من الإصلاحات الضخمة لكي يشمل التكنولوجيا، والتصميم الابتكاري، والعلوم الصحية، والإرشاد الوظيفي، ومهارات الحياة، وإدارة الأعمال. وقامت وزارة التربية والتعليم بتصميم هذه الإصلاحات التي نالت موافقة حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد. وقد نقلت وكالة الأنباء الرسمية "وام" عن الشيخ محمد قوله إنه "لا مجال للأعذار ونحن نتطلع إلى جيل جديد من الطلاب يمتلك مهارات المستقبل". 

 

وحظي هذا الإعلان بترحيب العديد من الخبراء، على الرغم من الإجماع على أن إصلاح قطاع التعليم هو مشروع طويل الأمد. ولفت جونز في هذا السياق إلى أنه "في حال أردنا الانتقال من اقتصاد قائم على الطاقة في الإمارات إلى اقتصاد يقوم على المعرفة، فنحن بحاجة إلى أشخاص أصحاب معرفة وأذكياء"، مضيفاً أن التركيز ينصبّ في الوقت الراهن على منح المدرسين المغتربين الإذن لممارسة مهنة التعليم في البلاد والتحقّق من مؤهلاتهم، فالأولوية فيما يخص الاستثمار في قطاع التعليم قائمة، لكن هذه العملية تستغرق بعض الوقت".

عن: 
هبة هاشم