الزمن اللازم للقراءة: 10 دقيقة
الرياضة والبيئة والصحة في الأردن

أردنيون يكافحون بجعل الدراجات الهوائية نظام حياة في عمّان

تقرير
بقلم مرح يوسف
الرياضة والبيئة والصحة في الأردن
بدأت المجموعة قبل عامين بخمسة أفراد، واليوم بلغ عدد المنضمين 40 فردًا. المصور: عبدالله الخشماني

يكافح الأردنيون لتحويل شوارع عمّان المزدحمة إلى مسارات صديقة للدراجات الهوائية. تواجههم تحديات البنية التحتية، والمخاوف من السلامة،ولكن يسعى الدراجون المتحمّسون لتحويل مدينتهم وتشجيع ثقافة صديقة للبيئة

بدأت رحلة محمد لصوي (29 عامًا) مع الدراجة الهوائية بالصدفة قبل سبع سنوات، اذ كان يستأجر الدراجات من المدينة الرياضية للعب، تلك الزيارات الأولى أثرت عليه بشكل خاص وأشعره بشغف تجاه هذه الرياضة، فقرر مع مرور الوقت إمتلاك دراجته الخاصة، في البداية استخدم لصوي الدراجة كوسيلة تنقل لتجنب الإزدحامات المرورية ، بعدها استبدل وجوده بالمقاهي للتدخين بجولات على الدراجة فنظفت رئته.

 

تعمق لصوي في عالم الدراجات الهوائية بشكل أكبر؛  فدرس صيانة الدراجات وأنواعها، وبدأ يتعلم ما يناسبه من هذه الأنواع. وقرر الاحتراف رغم معارضة اهلة بحجة عدم ملائمة البنية التحتية لمدينة عمّان لممارسي هذه الرياضة، وأنه لايمتلك وسائل الآمان كالخوذة، فدراجته التي امتلكها في 2018 بسعر 200 دينار كانت تحديه الاول لأنه اعتقد ان " البسكليت" لن يتجاوز ال80 دينار.

 

مع مرور الوقت، أصبحت الدراجة جزءًا لا يتجزأ من حياته وشغفه برياضة الدراجة الهوائية ويقول "السبب الذي دفعني للانخراط في هذه الرياضة هو أنني كنت مدمنًا على تدخين الأرجيلة، قررت أن أستبدل عادة سيئة بعادة جيدة، ولذلك قمت بترك التدخين واستبدلته بممارسة رياضة الدراجة الهوائية،إن هذه البداية كانت اللحظة التي غيّرت مسار حياتي بشكل كبير."

 

لصوي يشكل نسبة ضئيلة جدًا من مستخدمي الدراجات الهوائية في عمان مقارنة بعدد مستخدمي السيارات. اذ تشير الإحصائيات إلى وجود حوالي 1.2 مليون مركبة في العاصمة، بينما بلغ عدد سكان عمان حوالي 4.5 مليون شخص في نهاية عام 2020.

 

أصبح لدى لصوي روتينًا يوميًا يشمل مشاهدة فيديوهات على اليوتيوب وفيسبوك لمعرفة تفاصيل الدراجة والاستخدام الصحيح للغيارات، وذلك بدلاً من الذهاب إلى المقاهي كان يفضلها في الماضي، إصراره على استخدام الدراجة كوسيلة للتنقل كان أقوى من جميع العقبات التي واجهه، تطور الأمر ليبدأ بالبحث عن مجموعات تستخدم الدراجة ويصطحبهم معه، هذه المجموعات أصبحت مرشدينه في كيفية استخدام الغيارات بشكل صحيح والطرق المناسبة، وصار بعدها نموذجًا يحتذى به في عالم الدراجات الهوائية. وقال: "بعدين واجهت كثير مشاكل يعني أنا ساكن في عمان وفي كثير إرتفاع وإنخفاض والشوارع غير مؤهلة، وبعدين في موضوع المناهل موضوعها خطر كبير وفي حفر بالشوارع لكن ضروري أكسر حاجز الخوف، أني إنا لازم أطلع على الشارع، إنت لما تطلع على الشارع بين السيارات إنت هيك معرض حياتك 90 بالمئة للخطر."

 

الرياضة والبيئة والصحة في الأردن
المصور: مرح يوسف عبدالله الخشماني

في قرية ماغولا التركية والملقبة بـ "جمهورية البسكليت"، يستخدم سكان المنطقة ال 5000 نسمة الدراجة الهوائية بشكل رئيسي كوسيلة للتنقل، ونادراً ما يلجأون إلى استخدام السيارات أو وسائل نقل أخرى، ماجعلها واحدة من أعلى المناطق في تركيا من حيث نظافة البيئة.

 

عند العودة إلى موقع مشروع جودة الهواء العالمي، الذي يقوم بمراقبة مستوى تلوث الهواء في جميع مدن العالم، اكتشفنا أن جودة الهواء في قرية ماغولا التركية تصنف على أنها جيدة بدرجة 30 وتندرج ضمن المستوى الجيد عالميًا. اذ يعتبر المستوى 0-50 جيدًا. ومن نفس الموقع، قمنا بالمقارنة مع العاصمة عمان في الأردن، حيث كان مستوى الهواء فيها 46 وهو أيضًا يندرج ضمن المستوى الجيد. ومع ذلك، يمكننا أن نتخيل كيف ستكون الحالة إذا اعتمد سكان هذه المدينة، التي يبلغ عدد سكانها ما يقارب 5 ملايين نسمة، على استخدام الدراجات الهوائية بانتظام وتخلوا عن استخدام السيارات.

 

أفرد البنك الدولي في الدراسة التشخيصية والتوصيات الخاصة بالنقل العام في الأردن 2022 ، مساحات لتوصيات تؤكد على أهمية وضع خطة للدراجات الهوائية تضمن تصورا لبنية تحتية آمنة ومحمية لراكبي الدراجات الهوائية في المناطق الحضرية لتغذية أنظمة النقل العام.

 

ووفقًا لإحصائيات البنك الدولي لعام 2020، فإن انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الأردن بلغت 20,974كيلو طنًا. توضح زينة حمدان الناشطة البيئية والخبيرة في مجال إعلام المناخ،  أهمية التحرك السريع في مجال حماية البيئة، وأن هذه الأرقام تشكل إنذارًا ملحًا للمجتمع العالمي.

 

وتقول حمدان: “إن الانبعاثات الكربونية تمثل جزءًا أساسيًا في تغير المناخ العالمي، وتؤثر بشكل مباشر على الأردن والمناطق المحيطة به (..) فيجب علينا العمل بجد للعثور على حلول مبتكرة للتخفيف من تأثيرها، وأن الدراجات وسيلة فعالة لهذا الهدف، وواحدة من السبل الواعدة لذلك هي تعزيز وسائل النقل المستدامة”.

الرياضة والبيئة والصحة في الأردن
عبدالله الخشماني

وتؤكد حمدان على دور وسائل الإعلام في تشكيل الوعي العام، اذ تعتبر قناة لنقل المعرفة ومحركًا للتحفيز. من خلال سرد القصص المقنعة وتقديم التقارير الإعلامية، تلعب وسائل الإعلام دورًا حيويًا في تمكين الأفراد لاتخاذ قرارات مستنيرة والتشجيع على التصرف بصورة مستدامة. وبفضل انتشارها وتأثيرها، تصبح وسائل الإعلام شريكًا أساسيًا في الجهود المشتركة لمكافحة تغير المناخ.

 

تبنت العديد من المدن حول العالم ركوب الدراجات جزءًا أساسيًا من التخطيط الحضري المستدام، في هولندا مثلا، تمتلك البلاد 2.3% من مجموع دراجات الهوائية في العالم، مع متوسط 1.3 دراجة لكل شخص، تليها كوبنهاغن عاصمة الدينمارك حازت على لقب المدينة الأكثر ملاءمة للدراجات في العالم في عام 2015، متفوقة على أمستردام.

 

 تلك الدول الأوروبية قد استثمرت بشكل كبير في بنية تحتية مخصصة للدراجات الهوائية، وتتمتع بثقافة عالية حول الاعتماد على هذه الوسيلة البيئية والصديقة للبيئة في التنقل.

 

حازم زريقات، استشاري النقل والمرور في شركة أنجيكون، أشار إلى أن عمان تواجه مشكلة في توفير شوارع مناسبة للاستخدام الآمن للدراجين. وأكد أن البنية التحتية للطرق والشوارع في عمان غير مهيأة لاستقبال المارة بما في ذلك المشاة ومستخدمي الدراجات، وليس هناك ارادة حقيقية للتعامل مع هذه المشكلة.

 

بالنسبة لتكلفة إعداد نظام مرور يراعي استخدام الدراجات، زريقات اعتبر أنه إذا كان هناك اهتمام حقيقي بالتنفيذ والالتزام بالقوانين والتعليمات المتعلقة بصيانة الطرق وتزفيتها وبناء الأرصفة، فإنه لن يكون هناك تكلفة إضافية كبيرة. وأضاف أن إنشاء ممرات خاصة للدراجات قد يتطلب بعض التكاليف، ولكنها ستكون استثمارًا مستدامًا يحقق فوائد بيئية واقتصادية.

 

وبالنسبة للنفاقات الناتجة عن استخدام السيارات الخاصة، أوضح زريقات أن التحول إلى وسائل نقل نشطة مثل المشي أو ركوب الدراجات يمكن أن يقلل من الازدحام المروري وبالتالي يقلل من النفقات الاقتصادية المتعلقة

بالازدحام. وأشار إلى أن تكلفة الازدحام في عمان تقدر بمليارين دينار سنويًا، وبالتالي فإن أي استثمار في بدائل للاستخدام السيارات سيغطي تلك النفقات ويحقق فوائد بيئية واقتصادية.

 

زيادة استخدام الدراجات يمكن أن توفر 24 تريليون دولار أمريكي للمجتمع على مدى الفترة من 2015 إلى 2050، وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة تقرب من 11% في عام 2050 في المناطق الحضرية.

 بحسب تقرير معهد سياسات النقل والتنمية وجامعة كاليفورنيا يؤكد دورًا هامًا لركوب الدراجات في التنقل الشخصي عالميًا.

 

أظهرت دراسة نُشرت على موقع "sciencedirect" تحت عنوان "The climate change mitigation effects of daily active travel in cities"، أنّ هناك انخفاضًا يبلغ 14% في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكل رحلة إضافية باستخدام الدراجة، بينما يصل الانخفاض إلى 62% لكل رحلة سيارة يتم تجنبها. وتشير النتائج إلى أن التحول من استخدام السيارة إلى الدراجة يمكن أن يوفر 150 جرامًا من ثاني أكسيد الكربون لكل كيلومتر.

 

تمارس بتول أرناؤوط، ركوب الدراجات منذ طفولتها، ورغم عملها في مجال الإعلام والعلاقات العامة، إلا أنّ همّها الشاغل نشر ثقافة ممارسة الرياضة بما فيها ركوب الدراجات، وتؤكد على أنّ “الدراجات تعزز اللياقة، تحسن الصحة القلبية وتقوي العضلات، كما تعزز الجوانب النفسية والاجتماعية وتساعد على النوم وتقلل من الأمراض المزمنة”.

فشكلت مجموعة من الدراجين تنظم جولات دورية خلال الأسبوع داخل عمان، وفي نهاية الاسبوع خارجها كنشاط بدني ونشاط بيئي، بهدف زيادة استخدام الدراجات وتوفير ممرات آمنة والمساهمة في الاستدامة.

عن: 
مرح يوسف