تواجه تونس تحديات غير مسبوقة في ظل تغير المناخ، حيث يؤثر الانحباس الحراري والجفاف المتزايد على مواردها الطبيعية ويهدد أساس الحياة والاقتصاد. مع توقعات بزيادة درجات الحرارة وتقلب الأمطار، يبرز السؤال حول قدرة الدولة على ضمان العدالة المناخية لمواطنيها. في هذا النص سنعرف عن الجهود التشريعية والتنفيذية التي قامت بها تونس لمواجهة هذه الأزمة، بما في ذلك تأسيس مؤسسات وقوانين لحماية البيئة والحقوق المتعلقة بها، ويقدم نظرة شاملة حول التحديات والإنجازات في سبيل تحقيق بيئة مستدامة وعادلة للجميع.
المنطقة العربية تعاني بشكل واضح من تأثيرات تغير المناخ ويتجلى ذلك في فترات الجفاف الطويلة، ونقص المياه المتوقع زيادة في معدلات الحرارة قد تصل الى 5 درجات مئوية مع نهاية هذا القرن، فتصبح فصول الشتاء أقصر وفصول الصيف أكثر جفافاً وسخونة، وتزداد وتيرة موجات الحر والجفاف والأحداث المناخية المتطرفة.
لم تنجوا تونس من هذه التغيرات المناخية إذ شهدت ارتفاع غير اعتيادي في دراجات الحرارة أثناء الصيف لتصل الي 46 درجة بتونس العاصمة دون الحديث عن درجات الحرارة بالمناطق الصحراوية إضافة الي تراجع نزول الأمطار مما انعكس سلبا على القطاع الفلاحي وكذلك نقص تزويد المياه الصالحة للشراب بالتالي الانقطاع المتواصل للمياه.
فما هي التحديات التي واجهت الدولة التونسية ازاء هذه الأزمة؟
وهل تمكنت تونس من تحقيق العدالة المناخية لمواطنيها؟
تونس مثل اغلب بلدان العالم تعاني مشاكل جراء تغير المناخ وكذلك مشاكل بيئية، فمن مهام الدولة ضمان الحقوق مناخية وإيجاد حلول لكل مشكلة قصد تحقيق عدالة مناخية للجميع.
على المستوى التشريعي
منذ الاستقلال وقع سن العديد من القوانين لحماية عناصر معينة في البيئة منها قانون الغابات قانون المياه اول مؤسسة عمومية تعنى بحماية البيئة وهي الوكالة الوطنية لحماية المحيط أو الوكالة الوطنية لحماية البيئة
أُنشئت بموجب القانون رقم 91-88 بتاريخ 2 أوت 1988
وفي سنة 1991 وقع انشاء وزارة البيئة باعتبار ها السلطة التنفيذية المسؤولة على البيئة في تونس.
لا يخفى على الجميع ان الدولة التونسية في دستور 25 جويلية 2022 تنص على الحقوق البيئية تحديدا في الفصل 27– تضمن الدّولة الحقّ في بيئة سليمة ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ. وعلى الدولة توفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي.
والفصل 28– على الدّولة توفير الماء الصالح للشّراب للجميع على قدم المساواة، وعليها المحافظة على الثّروة المائية للأجيال القادمة
حسب هذين الفصلين الدولة من مسؤوليتها توفير مناخ نظيف ومجابهة اي أزمة بيئية لكل المواطنين بل أيضا للأجيال القادمة اي وجب تحقيق العدالة بين الأجيال فالمسؤولية ليست مقتصرة على الحاضر بل تشمل أيضا المستقبل
ان العدالة المناخية جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان كل شخص له الحق باستنشاق هواء نظيف بدون غازات سامة وشرب ماء نظيف وهذه الحقوق منصوص عليها في العديد من النصوص المتفرقة وصولا إلى مشروع مجلة البيئة.
ماهي الإضافة التي ستقدمها مجلة البيئة لمجابهة التغيرات المناخية؟
أطلقت وزيرة البيئة السيدة ليلى الشيخاوي المهداوي بتاريخ 14 جوان 2023 مشروع مجلة البيئة
واكدت الوزيرة ان هذه المجلة البيئية ستكون الأولى من نوعها في خدمة البيئة في تونس.
يعد مشروع مجلة البيئة مكسب تشريعي جمع النصوص المتعلقة بالبيئة في مكان واحد اهم ما جاء به المشروع هناك حل لمشاكل اهمها
رفع التجريم على الحركات البيئية وذلك في القسم الأول في الحقوق والواجبات في مجال البيئة و تحديدا في الفصل 8.
الفصل 8: للمدافعين عن الحقوق البيئية الحق في التحرك دون تهديدات أو ترهيب أو انعدام الأمن.
يجب على السلطات العمومية حماية جميع حقوق المدافعين عن حقوق الإنسان المتعلقة بالمسائل البيئية.
من جهة اخرى هنالك فصل مهم جدا واعتبره مكسب تشريعي و هو الفصل 7 من مشروع المجلة الذي جاء فيه
الفصل 7 لكل فرد ، بما في ذلك النازحون البيئيون ،الحق في بيئة سليمة ومتوازنة في تناغم مع الطبيعة.
يعني حماية النازحين البيئيين الذين تكون مناطقهم مهددة بالجفاف ومهددة بالتغيرات المناخية
هل شمل مشروع مجلة البيئة الحوكمة البيئية؟
الحوكمة البيئية هي جملة التفاعلات بين الجهات المعنية في المجتمع، والتي وظيفتها توجيه وتنظيم وصول الإنسان إلى البيئة واستخدامها من خلال قرارات ملزمة جماعيًا.
فهدف الحوكمة البيئية هو الاستدامة يعني استدامة الموارد الطبيعية الموجودة على الأرض فالحوكمة البيئية نابعة عن وعي بجملة التحديات والمخاطر التي يعاني منها سكان العالم الأرض في الوقت الراهن.
كان متوقع ان مشروع المجلة سيقوم بالقطع مع ما هو موجود اي الوكالات الوطنية التي حسب الاعوام الماضية اثبتوا عدم النجاعة في مجابهة الأزمات البيئية
أخص بالذكر الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات التي تسببت في عديد الأزمات اهمها أزمة عقارب 2021 2022(عقارب منطقة في الجنوب التونسي) كانت مطالب المتساكنين هواء نظيف. تمثلت الأزمة في تراكم النفايات في الشوارع وفي محاولة للتقليص من كميات النفايات الموجودة قاموا بحرق جزء منها مما أدى إلى انبعاث الغازات السامة والروائح الكريهة، وخروج المتساكنين للاحتجاج على الوضع البيئي الخطير ومطالبة السلطات بإيجاد حلول للقضاء على هذه أزمة وبسبب الحرق تدهورت نوعية الهواء وبالتالي شكل خطر صحي على الأطفال والمسنين وحاملي الأمراض التنفسية
هل التشريعات كافية لمواجهة الأزمة البيئية وتحقيق العدالة المناخية؟
الواقع البيئي في تونس يواجه أزمة حادة رغم الترسانة القانونية والنصوص التشريعية. وجب الإشارة ان الدولة التونسية مصادقة على اغلب الاتفاقيات يعني ملتزمة بالوفاء بما امضت عليه فالمواثيق الدولية تفرض على الدولة الحق في الأرض الحق في الحياة
كمثال منطقة قفصة تعاني تلوث خطير على مدام 134 سنة تقريبا فبعد استخراج الفسفاط يقع غسله ثم تلك المياه لا يقع التخلص منها بطريقة آمنة بل يقع رميها مما انجر عنه تلوث المائدة المائية علاوتا على امراض تصيب الاسنان لسكان المنطقة بسبب شرب المياه.
لا يمكن التغاضي على عجز الدولة في مواجهة الأزمة البيئية فلا يكفي وضع سياسات بصفة نظرية دون إيجاد حلول ناجعة على أرض الواقع
تونس دائما سباقة عربيا وأفريقيا في الانضمام للعديد من الاتفاقيات الدولية للحفاظ على البيئة ومنع التلوث
وصولا الي دستور 25 جويلية 2022 الذي كان واضحا في المسائل البيئية وأضف على هذا مشروع مجلة البيئة. ولكن ما ينقص هو الإرادة السياسية لتجاوز الأزمات البيئية التي تعيشها تونس
وجب توفير عدالة بيئية بين المناطق فمن غير الممكن مناطق داخلية تعيش ايام وأسابيع بدون ماء في فصل الصيف بدرجة حرارة تتراوح بين 43 و 47 مما أجبر المواطنين الي الاحتجاج أمام المسرح البلدي للمطالبة بحقوقهم.
كارثة قابس البيئية
قابس الفردوس البحري الذي تحول إلى مصب نفايات اليونسكو تصنف واحة قابس الساحلية الوحيدة في البحر الأبيض المتوسط
على مدار عقود يعاني متساكني المنطقة أمراض خطيرة وأمراض تنفسية بسبب المركب الكيميائي بقابس الذي تأسس سنة 1972
الخسائر كبيرة وفادحة التي انشأها المركب أمراض خطيرة تلوث البحر مما أدى إلى هلاك الحيوانات البحرية. رغم عديد التحركات والتنديد من المجتمع المدني لوقف هذه الكارثة البيئية لحماية المواطنين والحيوانات كذلك لحماية حق الأجيال القادمة
الكارثة البيئية بقابس أجبرت متساكني المنطقة مغادرة منازلهم لتفادي الامراض الحل الوحيد الذي يجب اعتماده لإصلاح الكارثة البيئية هو غلق المركب الكيميائي بقابس.
ماذا ينتظر تونس نتيجة التغيرات المناخية؟
المنطقة العربية تعاني بشكل واضح من تأثيرات تغير المناخ في حين تساهم البلدان العربية بنحو 5 في المئة فقط من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، لكنها ستكون أكثر المناطق تأثراً بتغير المناخ،
تعتبر تونس من بين البلدان العشر الأكثر تأثراً بانعكاسات التغيرات المناخية. ويتجلى ذلك بشكل خاص في الانحباس الحراري الذي أدى لعدم انتظام الأمطار وتواتر فترات الجفاف التي تطول أحياناً إلى ثلاث سنوات علاوتا على مشكلة خليج قابس والتلوث الصناعي في المنطقة ومشكلة النفايات في عقارب ومعضلة الماء والتلوث الصناعي في معتمديات الحوض المنجمي بقفصة