في ظلّ نسَبة الأمّيّة المرتفعة في مصر، تمّ تصميم المكتبة المتنقلة للتشجيع على القراءة كنشاط مسلّ. فكرة رائدة تمّ تطويرها في بلد يركّز نظام التعليم فيه على التعلّم بالحفظ.
بالقرب من مدينة الإسكندرية المصريّة الساحليّة، تسلك حافلة غريبة الألوان، طريقًا ترابيًّا متّجهةً نحو إحدى الضواحي النائية، كفر عشري، في زيارة شهريّة لها. على المقعد الخلفيّ لهذه الحافلة كُدّست المقاعد والطاولات والألوان وبالطبع الكثير من الكتب.
يقول هيثم شكري، منسّق مشروع "المكتبه المتنقله"، التابع لمعهد جوته، أنّ الأولاد ينتظرون الحافلة كلّ شهر. ويمضي شكري أكثر من نصف وقته على الطرقات، يتنقل بين مختلف المدن والقرى مصطحبًا على متن الحافلة مجموعة هائلة من الكتب، بمحاولة منه لنشر حبّه للقراءة. يهدف المشروع، من خلال الألعاب وتمارين القراءة وحصص رواية القصص، إلى تشجيع التلاميذ على القراءة خارج نطاق المدرسة، في بلد يرتبط فيه التعلّم بالحفظ؛ وتفوق نسبة التسرب المدرسي في المرحلة الثانويّة الثلاثين بالمئة ويبقى فيها أكثر من ربع السكّان الراشدين أمّيّين، استنادًا إلى احصائيّات حكوميّة رسميّة.
عندما تصل الحافلة إلى كفر عشري، يكون بانتظارها حوالي ثمانون ولدًا تتراوح أعمارهم بين الخمس سنوات والإحدى عشرة سنة يقفون في الصفّ منتظرين أن تفتح الحافلة أبوابها.
ويفيد عادل حجي، عضو في المجتمع المحلّي يتولّى إدارة هذه الزيارات الشهريّة، بأنّ القراءة كانت في السابق واجبًا روتينيًّا بالنسبة للأولاد إلّا أنّهم أصبحوا الآن يقرأون الكتب ويذهبون إليه ليخبروه عن القصص التي قرأوها. "وهذا مختلف كلّ الاختلاف عمّا يقومون به في المدرسة."
ويتجول حجي، الحدّاد المتمرّس ذو ال ٤٤ عام، بين الجمع كقائد فرقة موسيقيّة، مشيراً بإصبعه يميناً ويساراً، موزّعًا الأولاد إلى فرق. ما هي إلا دقائق حتى تهدأ زمرة الأولاد المتحمّسين التي تم توزيعهم ضمن فرق صغيرة، وينهمك كلّ منهم في التصفّح الدقيق لكتب القصص التي تم تزويدهم بها. بينما يُعطى الأولاد الأصغر سنًّا قطع بازل يجمعونها، إضافة إلى
كتب التلوين. في نهاية الحصّة، تجتمع كافّة الفرق معًا لحضور رواية القصّة.
شبكه اجتماعيه قائمه على الثقه
وبالتعاون مع مبادرات محلّيّة، غطّت هذه المكتبة المتنقلة أكثر من ٥٠ ألف كم بما يشمل أكثر من ٦٠ ألف طفل موزّعين على ٢٠ محطّة ضمن نطاق أنشطتها منذ سنة ٢٠١٣. وبالإضافة إلى زيارة القرى والمناطق السكنيّة المهمّشة، تعمل المكتبة المتنقله أيضاً مباشرة مع المدارس والأطفال في المستشفيات ودور الأيتام ومؤسّسات أخرى تُعنى باحتياجات الأطفال.
ويقول شكري، الذي يصمّم أنشطة الحصص بنفسه وينفّذها، أنّ الأمر لا يتعلّق بالكمّيّة فحسب، بل أن نوعيّة التجربة المهيّئة للأطفال هي الأهمّ. عندما تمّ إطلاق المشروع للمرّة الأولى، كان الحضور محدداً بثلاثين طفل كحدّ أقصى لكل حصّة مع الحافلة، تتراوح مدّتها بين الساعتين والثلاث ساعات. ولكنّ بحسب شكري، تم إزالة الحد الأقصى للمشاركة بسبب الاهتمام الهائل لدى كافّة الفئات العمريّة. كما يفيد بأنّ الحصّة قد تستقطب حوالي ٣٠٠ ولد في بعض الأماكن. يدوّن شكري لائحةً بالعناوين التي طلبها الأولاد ويقول: "نحاول أن نختار المجموعة بحسب اهتمام الأولاد".
تبني الزيارة المتكرّرة لتلك المناطق، شهرًا تلو الآخر، شبكةَ من الثقة والاستمراريّة. إن محمّد سلمان ذو ١٣ ربيعاً يحب قراءة المواضيع العلميّة، و أصبح الآن متطوّع يساعد في تنظيم الحصص للأولاد ويحضر أخويه الأصغر سناً للمشاركة في النشاطات. كذلك، انضمت أسماء صلاح البالغة من العمر ١٦ عاماً، وهي طالبة في أكاديميّة الشرطة، لتقديم المساعدة في الحصّة.
تلوّح صلاح بيدها لمجموعة من رفاقها الأصغر سنًّا الذين يشاركون في الحصّة وتقول: "اعتدْتُ أن آتيَ كثيرًا إلى هنا في السنوات الماضية، وهذا ساعدني على تعزيز اهتمامي بالقراءة."
تعزيز روح المشاركه عن طريق القراءه
في صعيد مصر، وهي منطقة في أقصى جنوب مصر حيث يبلغ التعلّم أدنى مستوياته، أطلقت جمعيّة مصر الخير الشهيرة نسختها الخاصّة من "المكتبه المتنقله" معتمدةً فكرة معهد جوته.
ترمي الفكرة إلى نشر حبّ القراءة في المجتمع والمساعدة على تشكيل الروابط ضمن الأحياء. ونتيجةً لزيارات المكتبه المتنقله إلى كفر عشري، يدير حجي اليوم مكتبة محلّيّة صغيرة مؤقّتة تضمّ كتبًا تهبها المكتبه المتنقله تستهدف القرّاء الأكبر سنًّا، فوق ال١٢ عام،
الذين يهتمّون بشكل خاص بالروايات وقصص المغامرات على حدّ قول حجي، كما ان هناك أيضاً طلب على الكتب التاريخيّة والفنّيّة وكتب المعلومات العامّة.
أمّا بالنسبة إلى المكتبة المتنقلة فيفيد شكري بأنّ ليس الأولاد هم فقط من أصبحوا يهتمون بالقراءة، إذ أن الأهل أصبحوا يطلبون كتبًا عن التربية الصالحة وعلم النفس للأولاد.
أخيرًا، حتّى ولو كان الأولاد في سنّ لا تسمح لهم القراءة بعد، إنّ مشاركتهم من خلال الإصغاء فحسب كفيلة بإحداث فرق كبير في نظرتهم إلى القراءة والتّعلّم. ويوضح شكري " إنّ الهدف هو جعل الأولاد يتحمّسون للقراءة. ونأمل أن تصبح القراءة شغفًا لهم مدى الحياة يبقون عليه حتّى بعد أن تغادر المكتبه المتنقله المدينة."
(لمزيد من المعلومات يرجى زيارة: www.goethe.de/lesebus)
قهوة وكتب
تمّ إنشاء مشروع آخر في صعيد مصر لمكافحة قلّة البنى التحتيّة وصعوبة الوصول إلى الكتب والمعرفة. تضع "المكتبات-المقاهي" رفوف مليئة بالكتب في المقاهي، الأمر الذي يسمح للرجال والنساء لاسيّما الشباب منهم أن يتصفّحوا الكتب في أوقات فراغهم، كما تقدّم لهم كتبًا يمكنهم شراؤها بأسعار مخفضة.
نفّذ معهد جوته وشركاؤه بما فيهم جمعيّة ألوانات هذا المشروع. عدد "المكتبات المقاهي" حاليًّا أربعة، تتوزّع بين ملّاوي والمنيا وبني سويف والفيوم. ومنذ إطلاقها في أواخر سنة ٢٠١٤، شارك ٤٠٠٠ شخص تقريباً في أنشطة أُقيمت في المقاهي وتمّ بيع أكثر من ١٣٠٠ كتاب. وتشمل الأنشطة حصص قراءة ومباريات شعريّة ومشاغل وحفلات توقيع كتب وعرض أفلام مصمّمة خصّيصًا للأولاد واليافعين والشباب.
قام بإعداد هذا المقال طاقم مجلة زينيت لصالح معهد غوته. مشروع "شراكة التحويل" الذي يقوم به معهد غوته، مدعوم من قبل وزارة الخارجية لألمانية اللإتحادية.