في عام 2014 اتّخذ لبنان خطوة جريئة بمطالبة البنوك بالاستثمار باقتصاد المعرفة، مؤدياً إلى نماء سريع في قطاع التكنولوجيا. الآن حكومات أخرى في المنطقة تدرس تطبيق قرارات مماثلة للتعميم 331، ولكن هل يجب ان يحذروا من العواقب الغير محتسبة؟
التقينا به في مكتبه المفتوح، والذي يتقاسمه مع ثلاث مؤسسات ناشئة بالطابق الثامن في بناء "المنطقة الرقمية ببيروت" (BDD) الفاخر، ولقد حدثنا "رامي هلال"، أحد مؤسسي شركة " لمّع سيارتي"، Blink My Car وهي شركة تنظيف سيارات متنقلة، حدثنا "هلال" عن بداياته في دكان صغير قرب منزله، ثم إلى مكتب فاخر في قلب الحي التكنولوجي المزدهر ببيروت: "لقد كنّا ندخّر المال ونقتصد في المصاريف، ولكن تواجدنا هنا له فوائد جمّة" يقول رامي.
فعلاوة على فرص إنشاء شبكات علاقات وإمكانيات الدعم والتطور المتواجدة في هذا المكان، فإنه من التميّز أن تتواجد في قلب المحيط التكنولوجي المزدهر والأسرع نمواً على مستوى لبنان. كان الأمر مختلفاً في السابق، فالشركات التكنولوجية كانت عانت من بنية تحتية مهترئة، ومن إمكانيات تسويق وتمويل محدودتين جداً. ولكن الوضع تغير في آب/ اغسطس 2014 عندما اتخذ لبنان خطوة جريئة، بعد إصدار مصرف لبنان المركزي وثيقةً رسمية، يدعو فيها البنوك التجارية في لبنان، للاستثمار في ميدان "اقتصاد المعرفة". ويعود الفضل في ذلك، إلى التعميم رقم 331 الصادر عن المصرف المركزي، والذي أتاح توجيه أكثر من 400 مليون دولار أمريكي للاستثمار في هذا المجال.
ومن أجل التخفيف من مخاطر المجازفة للمُقرِضين المحليّين، تعهّد البنك المركزي بتغطية نسبة 75% من القروض، في حين أنه أَلزم الشركات الحاصلة على التمويل، بصرف مالا يقل عن 80% من نسبة هذه الأموال في لبنان.
وبالرغم من أنّ هذا النوع من الاستثمارات غير مألوف لدى الجهات المُقرِضَة الرئيسية في لبنان، إلا أنهم يوفّرون الأموال من خلال الاستثمار المباشر، أو من خلال تمويلات قليلة بعد موافقة بنك لبنان. "إن التعميم رقم 331، كان دون أدنى شك، المحرك الأساسي للنسق الاستثماري الجديد" بحسب "نسيب غبريل" -المدير الاقتصادي لبنك بيبلوس، أحد أهم البنوك المُقرضة الموجودة في لبنان؛ "في الحقيقة لم تُعِر البنوك في السابق اهتماماً لقطاع المشاريع التكنولوجية الناشئة، ولم يكن لها حتى الحق قانونياً في الاستثمار في هذا المجال. لكن الأرقام والمعطيات تبرز قفزة نوعية في الاستثمارات، بحسب دراسة قدمتها ArabNet (مؤسسة حاضنة للاستثمارات التكنولوجيّة الناشئة في الشرق الأوسط)، حيث صعد لبنان من المرتبة الخامسة على مستوى البلدان العربية في مجال الاستثمار في سنتي 2013 و2014، إلى المرتبة الثانية سنة 2015، ويعتقد أصحاب رؤوس الأموال المضاربين، ممن هم بصدد توجيه البنوك للاستثمار في هذا القطاع، أن لبنان اليوم على أبواب بناء شيء عظيم.
وفي هذا السياق تعتبر "هالة فضل"، الشريكة في Leap Ventures وهي واحدة من شركات رؤوس الأموال المُضاربة المُنتفعة من موجات التمويل الجديدة، تعتبر أن "التعميم رقم 331 هو فرصة فريدة لبناء مصداقية لهاته الفئة من الأُصول، إننا على مشارف شيء جديد في لبنان لذلك فإن الشعور بالمسؤولية المشتركة هو ما يغلب لدى الجميع".
لقد حصل هذا التغيير في وقت عَرَف فيه لبنان صعوبات عديدة؛ ففي السنوات الأخيرة، عاش لبنان الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 4.5 مليون نسمة ركوداً اقتصادياً، سببه تراجع السياحة والاستثمار ومعدلات النمو، وتُعتبر هذه المشاكل من تبعات الحرب الأهلية التي تزداد تأزماً منذ أكثر من خمسة سنوات في سوريا، وأدّى ذلك إلى شللها التام.
يستقبل لبنان اليوم، أعلى نسبة للاجئين في العالم، إذ يقيم في لبنان وحده قرابة 1.1 مليون لاجئ سوري، ولقد ساهم هذا الوضع في إجهاد المؤسسات المالية التي تعاني بدورها نوعاً من الهشاشة، إضافة إلى ذلك، فإن لبنان عاش تقلّبات جرّاء عدم الاستقرار السياسي، بقي لبنان من غير رئيس للدولة في السنتين الأخيرتين، إلى أن تم تعيين ميشال عون رئيساً للدولة مؤخراً في شهر تشرين أول / أكتوبر، وتسبب عدم الاستقرار هذا في شلل كامل لأعمال البرلمان، والذي عجز عن تشريع أي قوانين أساسية طوال تلك المدة.
من جهة أخرى، فإن العلاقات الباردة بين لبنان ودول الخليج الغنية التي تعادي حزب الله اللبناني، تسببت في إلغاء تلك الدول لكل المساعدات التي كانت بصدد تقديمها إلى لبنان، خفّضت من قيمة التحويلات المالية إليها، وحسب غبريل فإن: "اقتصاد لبنان ليس على مشارف الهاوية، وكذلك هو الشأن بالنسبة للمالية العمومية وقيمة العملة المحلية، ولكن الوضع الاقتصادي يشهد جموداً."
حل السوق الخاصة
حفّزت جرأة التعميم رقم 331 اهتمام أصحاب القرار في دول أخرى بالمنطقة، فمن المعتقد أن المملكة العربية السعودية والأردن يبحثون اعتماد إجراءات مماثلة في بلدانهم، وبحكم مركزية الحوكمة وتخطيط السياسات في دول المنطقة، فإن إجراءات مماثلة لهذا التعميم تُعتبر جذابة، حيث أنها تُشجع على الاستثمار في إنشاء المؤسسات، وتساهم في دفع العجلة الاقتصادية المتعثرة، ومقاومة البطالة المستفحلة.
لقد بين عمر كريستيديس، المدير التنفيذي لشركة "أراب نت" أنه هنالك بالفعل بعض البلدان التي شرعت في اتخاذ اجراءات مماثلة. على سبيل المثال الصندوق الوطني الكويتي لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة "إن التعميم رقم 331 تحول إلى الجانب العملي بشكل أسرع من معظم التعميمات الأخرى"، وحسب كريستيديس فإن: " قوة المبادرة اللبنانية تكمن في أن قرارات الاستثمار تأتي من البنوك الخاصة ورؤوس الأموال المُّمَوِّلة وليس من القطاع العام." وأضاف كريستيدس: "في حين أن الكويت أعلنت عن تكوين هذا الصندوق منذ مدة، فإنها مازالت في مرحلة إعداد نفسها، ولم تمر إلى المرحلة التنفيذية بعد، والفرق -وهنا المقارنة مع لبنان -هو ذهاب بنك لبنان إلى التنفيذ مباشرة."
ومن محاسن التعميم رقم 331، علاوة على توسيع آفاق الاستثمار، أنّه خلق وموّل مبادرات دعم وتسريع مشاريع عدّة، على غرار (BDD) أو (UK Lebanon Tech Hub)، وهي مبادرة مشتركة ما بين الحكومة البريطانية وبنك لبنان، على شكل حاضنة للمشاريع التكنولوجية الناشئة، إلى جانب أنها توفّر فضاءً مشتركاً للعمل، وخبرة أكاديمية للتدريب والتكوين. ولقد ساهمت هذه المبادرة في دعم قطاع التكنولوجيا في السنتين الأخيرتين، هذا ما أكدت عليه "لاما زاهر" من مبادرة (UK Lebanon Tech Hub): "للمؤسسات التكنولوجية حظ في الانتفاع من المشهد الاقتصادي الجديد بطريقة أو بأخرى، حتى وإن لم يتمكنوا مباشرة من الحصول على تمويلات مباشرة من حوض ال-400 مليون دولار."
وتوجد بعض العوائق أمام هذا التطور وخاصة انخفاض سرعة اتصالات الإنترنت، ولكن هنالك بعض التحسن حيث تم ربط شبكة الحي الرقمي ببيروت بشبكة الألياف البصرية، وهو إلى حد الآن المكان الوحيد في لبنان الذي يتمتع بذلك، ويعتبر نصري عطالله الشريك في مؤسسة Keeward ،وهي شركة رقمية تساعد على إنشاء العلامات التجارية والمؤسسات الناشئة في مجالات عدة، تجمع ما بين المحتوى، وخلق تواجد لهذه الشركات في الشبكة العنكبوتية - يعتبر عطالله أنه: "في السنوات القليلة الماضية كانت سرعة الأنترنت ضعيفة جداً، وهذا ما يجعلك تشعر بأنك لست على اتصال بالعالم بالشكل المناسب ".وتنشط شركة Keeward منذ أكثر من عشرة سنوات، ولها مكاتب في مناطق عدة بالعالم ويعمل بها قرابة ال-150 شخص، وتقدّم Keeward مجموعة من المشاريع وعلى رأسها مشروع Bookwitty، وهو منصة لمشاركة وبيع الملايين من الكتب سنوياً.
وعلى الرغم من أن عطالله لا ينكر أن المشاكل اللوجستية وعلى رأسها سرعة الانترنت، لم تتحسن إلا بصفة جزئية، إلا أنه يؤكد أن المشهد اليوم مختلف جداً عما كان عنه في السابق، وأن الوضع اليوم لا يمكن مقارنته بالماضي: "حكايات النجاح في هذا الميدان لم تعد تقتصر على حالة أو اثنتين، وإنما هنالك عدد كبير من الأفكار الرائعة التي يقع تجسيدها على أرض الواقع في لبنان اليوم"، وختم عطالله: أن كل شيء متوفر اليوم ، من الموارد المالية إلى توفير الاستشارة والنصح، وصولاً إلى وجود الحاضنات والمؤسسات المسرعة لتنفيذ المشاريع وخلق الفضاءات لاستيعاب أصحاب المواهب والكفاءة.
التفاؤل موجود، ولكن ذلك لا ينفي أن الطريق مازال طويلاً: "المال متوفر ولكن الركائز الأساسية لإنشاء محيط اقتصادي ملائم، مفقودة"، ذلك ما عبر عنه هلال، معتقداً أن الأمور سوف تتطور في المستقبل: "لا يمكن أن يتوقع الفرد بيئة اقتصادية جيدة، بمجرد نشر تعميم يخبرك أن المال متوفر". هنالك مسائل أخرى مثل توفر الطاقات والمواهب، وفي هذا السيّاق صرح وليد حنا مؤسس وأحد مديري شركة الشرق الأوسط لرأس المال الاستثماري والأسهم الخاصة Middle East Venture Partner: "أن الكفاءات والطاقات سرعان ما تهاجر إلى الإمارات العربية المتحدة بسبب السمعة الجيدة لإمارة دبي في ميدان الأعمال والأموال، وفي دبي استثمرت MEVP في مشاريع ناشئة من كل دول العالم في حين أنه، في لبنان، فإن الشركات الناشئة هي بالأساس محلية مع محاولتها لأن تكون عالمية المنحى."
هذا إلى جانب أن منشئي المشاريع، وعلى الرغم من أنهم مثيرون للإعجاب، فإنهم يفتقدون للخبرة اللازمة حتى يتمكنوا من تطوير مؤسساتهم لتصطف مع الكبار، ومن جهة أخرى، فإن الكفاءات والطاقات العالمية تختار الذهاب إلى أماكن أخرى، وهذا ما عبر عنه حنا: "لماذا تتوقع من أسترالي أو أمريكي أن يأتي إلى لبنان؟ فهنالك داعش على الحدود، وحزب الله داخلها، والمال المتوفر للاستثمار لا يُمكنه حل المسائل هذه".
ومع قلّة عدد مطوري التطبيقات والمبرمجين البارعين، فلقد أصبح التكوين وتطوير المهارات أمراً ضرورياً من أجل إرساء محيط صناعي حيوي وقابل للاستمرار، ففي مؤسسة Keeward على سبيل المثال، فإن البحث عن المواهب دفع عطالله لأن يكون مبتكراً، فعندما لاحظوا في شركته أن أغلب المبرمجين ومطوري التطبيقات هم من مدينة زحلة في منطقة سهل البقاع اللبناني، لم يترددوا في إنشاء شراكة مع جامعة المنطقة وأسسوا مكتباً لهم هناك يشغّل اليوم عشرات المحليين.
كما أفادت زاهر أن "UKLBTH" سوف تسعى لخلق حوالي 25000 فرصة عمل حتى سنة 2025، رغم أنهم خلقوا 200 فرصة فقط في السنة الماضية، وتعتقد زاهر أن فرص العمل هذه ستتضاعف باعتبار أن هذا المجال سوف يشهد توسعاً كبيراً.
بدورها، تشهد مدينة طرابلس اللبنانية -أحد أكثر المناطق فقراً في البلد-حضوراً لمدربين وموجهين هدفهم تنظيم دورات تدريبية للشباب، ويعتبر ذلك من تبعات التعميم رقم 331، الذي يهدف إلى أن يطبق بمناطق تشهد فرص عمل أقل من غيرها.
ولكن لا بد من اعتبار أن الاستثمار في القطاع الخاص وبهذا الشكل، لا يخلو من المجازفة، في بيروت اليوم هنالك مخاوف من أنَّ الاندفاع نحو ميدان التكنولوجيا، يمكن أن يكون مبالغاً فيه، وأن المستثمرين سيوجّهون اهتمامهم إلى قلة قليلة من المؤسسات التكنولوجية العالية الجودة دون غيرها.
تقدير مبالغ فيه
وفي إطار شركة الشرق الأوسط لرأس المال الاستثماري والأسهم الخاصة (MEPV)، كان حنا من الأوائل الذين نجحوا في تطويع استثمارات تتماشى مع مضمون التعميم رقم 331، إذ أنه كان سبّاقاً في اكتشاف صفقات تُعتبر الأفضل، ومنها على سبيل المثال مشروع Keewardبتمويل يقدر بـ 70 مليون دولار، ولكن منذ ذلك الاكتشاف، فإن المبادرات قد شحّت. بيّن حنا، أنه في الأشهر السِّت الأخيرة، زايدت رؤوس الأموال المساهمة عليهم بشكل أكبر: "هنالك إسراف في رصد الأموال، وتحديد تقييم المشاريع بلغ مستوىً متضخمٍ جداً، ونحن نعاني اليوم من ذلك، وأيضاً لا نريد أن ننخرط في لعبة المزايدات من أجل تضخيم قيمة المشاريع، لدينا هيئة تمويل واستثمار على غاية من الجدية، وهي لن تسمح بأي تضخيم، ولن تدخل في أي مزايدات".
كما أكد نامق الزعبي، مؤسس وشريك إداري في "سليكون بادية"، وهي مؤسسة لرؤوس الأموال الاستثماريين ذات عدة مقرات في عمّان ونيويورك، أكدّ على ذات النقطة، وبيّن الزعبي، أنّهم كانوا مؤخراً على أبواب إمضاء اتّفاق مع شركة ناشئة لبنانية في ميدان التكنولوجيا، إلا أنه وفي آخر لحظة، قامت شركة محلية لبنانية بالمزاودة عليهم برأس المال المستثمر بطريقة عشوائية وغير لائقة. ويحدث ذلك عادة في التمويل الأولي من " صنف أ " أو بما يُعرف بـ " A Series " أي في الحالات التي يمول فيها رؤوس الأموال الاستثمارين نماذج أعمال متينة وذات مصداقية، أمّا المشاريع الناشئة والتي هي في مراحلها الأولى، ولا تبحث عن استثمارات كبرى لدى المؤسسات المسرِّعة أو الممولين الخاصين، أو الممولين التأسيسيين، هي في معاناة كبرى، ويعني ذلك أن قنوات الضّخ للتمويل، ضيقة وشحيحة، طالما المستثمرون هم بصدد اصطياد فرص هامة على مستوى التمويل الأولي من صنف "أ" فقط. وحسب كريستيديس "فإن الحصول على تمويل ما بين 100 ألف و50 ألف دولار في لبنان هو أصعب بكثير من الحصول على تمويل بين 1-2 مليون دولار ".
وأفادت دراسة قامت بها ArabTech حول الاستثمار الرقمي في لبنان، بتواجد سبع شركات لرأس المال الاستثماري قادرة على توفر تمويلات ذات مستوى أو منسوب متوسط، وذلك مقارنة بأربعة ممولين آخرين يمكن أن يضخوا أموالهم في مراحل أولية، وبحسب إجراءات الموافقة التي يتبعها بنك لبنان، فإن الصناديق القائمة هي أول من يتمتع بأموال التعميم رقم 331.
وتعتبر هالة فضل من Leap Venture ، أنه هنالك شعور بسهولة الاستثمار فيما يخص الاعتمادات متوسطة الحجم، وعلى مستوى التمويل من صنف "أ" ، مما يجعل الإقبال عليها جذاباً، في حين أن عامل المجازفة المرتبط بالتمويل منذ المهد، وحجم الاستثمار بالنسبة للتمويل من صنف "ب" ، لا يجعل الإقبال عليه كبيراً من طرف رؤوس الأموال، وبيّنت هالة فضل، أن Leap Ventures لا تقدّم إلا التمويلات من صنف "ب": لا يوجد تقدير مبالغ فيه بالنسبة لتمويل المشاريع في المهد، لأنه لا توجد هناك أموال كثيرة، ونفس الشيء ينطبق على التمويلات من صنف "ب"، أي لعدم وجود أموال كثيرة، ومع رصد دفعة الجديدة من الاستثمارات، والتي تتسابق من أجل الموافقة، فإنه بالإمكان أن تتغير المعطيات لخلق أمل جديد من أجل دفع الممولين للاهتمام بضخ أموال للمشاريع في مراحلها الأولية.
ومن جهة أخرى أصدر حنا بعض التخوفات، من أن بنك لبنان لن ينادي بالتحرّك في ذلك الاتجاه أي التركيز على أهمية التمويل والمساهمة بالتمويل منذ البذرة الأولى للمشاريع.
ويرى ممولون آخرون، أن إمكانية الحصول السهلة على التمويلات يمكن أن تشكل دعماً صورياً لشركات يتهددها الفشل، ويرى السيد الزّعبي أن تأسيس الشركات في مراحلها الأولى هو "شيء صعبٌ جداً وأن امكانية الثبات والنجاح قليلة جداً". في نفس الوقت، وأخذاً بشعار "أفشل بسرعة"، فإنه على أصحاب المشاريع التكنولوجية، الارتداد بسرعة لتخطي الفشل، وذلك إما بتغيير سياسة شركاتهم، أو بإنشاء شركات أخرى وكل هذا يدخل في إطار الانتقاء الطبيعي، الذي يجعل من البيئة الاقتصادية أكثر صلابة بمرور الزمن. ولكن هذا الشيء كان صعباً في لبنان، لأن محاولة تخطي العقبات وإنهاء مشاريع غير ناجحة يمكن أن يتطلب سنوات، ويرجع ذلك لوجود ترسانة قانونية مهترئة في ميدان الأعمال، تلقي بكامل المسؤولية على باعثي المشاريع.
ويجزم الزعبي أن التعميم رقم 331 يساهم في "ضخ الأموال بطريقة عشوائية"، الشيء الذي يعيق دورة إعادة استخدام رأس المال recycle وبناء شيء جديد، وصرّح متحدثاً عنه: "يمكن للتعميم رقم 331 بصفة غير طبيعية، دعم أو مد أمد المشاريع للهروب من واقع محتوم، إلى درجة أنه عندما تنتهي الموسيقى، أي عندما تصبح الشركات بلا أموال، فإن الضرر يمكن أن يصبح أكبر مما كان متوقعاً، وخاصة في حالة عدم تقديم توقعات تتسم بالواقعية، الناس لا يدركون مدى صعوبة النجاح في ميدان الأعمال، وأن ذلك ليس في متناول الجميع".
مع تواجد مشكلة التقدير المبالغ فيه فإن كلمة "الفقاعة" للتعبير عن ظاهرة النفخ في صورة مشاريع مآلها الفشل وبسرعة أصبحت متداولة عند البعض من أهل الذكر. لذلك فإن إجراءات جديدة يمكنها أن ترجع الأمور إلى نصابها وفي هذا الإطار يرى رامي جسر رئيس مجلس إدارة " B&Y Division One fund "، أن إضفاء المزيد من الشفافية في طلب العروض يمكنه أن يحد من ظاهرة "الفقاعة"، وفي أواخر سنة 2014 اقترح أحد ممثلي بنك لبنان انشاء نظام تجاري عادل يضمن ضخ السيولة المالية، والشفافية في نفس الوقت، ومن دون شك فإن هذا الاقتراح تعثّر بسبب غياب التوافقات السياسية أو ربما المالية حسب أحد مصادرنا.
ومسألة الحوكمة العشوائية في لبنان يمكنها أن تؤدي إلى ظهور اقتراحات وخيارات ثم اختفائها بين عشية وضحاها (يجدر هنا التنويه أنه لم نتمكن من الحصول على تصريحات من بنك لبنان الذي لم يستجب لمطلبنا للمحاورة مع أحد ممثليهم). ومن دون أدنى شك، فإن العامل الأكبر لنجاح التعميم رقم ،331 يكمن في القيمة العالية للشركات المتحصلة على التمويل، أو في قدرة البعض من هذه الشركات على التطور والاندماج مع شركات أكبر حجماً أو دخول سوق الأوراق المالية إلخ. وفي حال أن التخوف من المغالاة في التقييم هو حالة حقيقية، فإن ذلك يعني أن تراجع العائدات بعد محاولة الخروج من المآزق سوف يسبب بدوره تراجعاً للعائدات عند البنوك والجهات المانحة.
ويبقى حنا متفائلاً رغم تخوفاته وخاصة فيما يهم الأثر الإيجابي للتمويلات، وبالنظر للوضع الحالي للسوق فإنهم ينتظرون عائدات تقدر بضعف التمويل الأصلي، (ومن أجل المقارنة فحسب فإنه يتوقع عائدات تقدر ب 3 أو 3.5 أضعاف المبلغ الأصلي بالنسبة للتمويلات التي تقوم بها MEPV بالمنطقة).
وختم حنا باعتقاده أن لبنان سوف يكون كالفقاعة في ميدان التكنولوجيا، ومع اعترافه بوجود مخاطر، يرى أن "أثر التعميم 331 ملموس وناجح، لا بل هو بصدد تحقيق معجزات، ولكن التدفق المبالغ فيه للأموال يسبب مشاكل جدية".