تزامنا مع تنظيم "مسيرة الأعلام" الاستفزازية الإسرائيلية في محيط البلدة القديمة بالقدس، صوّت أعضاء مجلس النواب العراقي، يوم الخميس السادس والعشرين من مايو لصالح مقترح قانون لتجريم التطبيع مع إسرائيل بأحكام تصل عقوبتها إلى الإعدام .
رغم تعثر تشكيل حكومة عراقية جديدة وسط انقسامات وخلافات سياسية عميقة في البرلمان العراقي إلا أن جميع الكتل المتمثلة في مجلس النواب بمختلف مكوناتها صوتت بالإجماع لصالح مقترح قانون لتجريم التطبيع مع إسرائيل .وقد قامت لجنة قانونية تتبع الكتلة الصدرية في البرلمان بكتابته وطرحه على النواب، دون اعتراض أو تحفظ من طرف القوى السياسية .
ويأتي هذا القانون بعد مرور عدة اشهر على مؤتمر " السلام والاسترداد" الذي أقيم في أربيل بكردستان العراق (سبتمبر/أيلول 2021) ، حيث دعت فيه شخصيات عشائرية إلى تطبيع العلاقات بين العراق وإسرائيل في حدث عراقي غير مسبوق، مما أثار موجة غضب واستنكار سياسي وشعبي، تم على إثرها إصدار مذكرات توقيف بحق عدد من الشخصيات العراقية ممن شارك في المؤتمر، بقرار من المجلس الأعلى للقضاء في العراق.
ويهدف هذا القانون -حسب النسخة المتداولة- ووفق مادته الاولى الى تجريم التطبيع بأي شكل من الأشكال و"منع إقامة العلاقات الدبلوماسية أو السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية أو الثقافية أو أي علاقات من شكل اخر مع الكيان الصهيوني" وينص على عقوبات بين السجن المؤبد أو المؤقت "لكل من سافر الى الكيان الصهيوني او زار إحدى سفاراته او مؤسساته في دول العالم كافة او اتصل بأي منها" و كل "من قدم أي نوع من أنواع التبرعات أو الهِبات أو قبل أيً منها، من الكيان الصهيوني أومن أحد مؤسساته." وتصل العقوبة للإعدام "لكل من طبع أو تخابر مع الكيان الصهيوني أو روج له أو لأية أفكار أو مبادئ أو ايديولوجيات أو سلوكيات صهيونية أو ماسونية، بأية وسيلة كانت علنيةً كانت أم سرية بما في ذلك المؤتمرات أو التجمعات أو المؤلفات أو المطبوعات أو وسائل التواصل الاجتماعي أو أي وسيلة أخرى".
ومع أن هذا القانون وصف انه يهدف الى: "الحفاظ على المبادئ الوطنية والإسلامية والإنسانية في العراق" و"الحفاظ على وحدة الصف بين أبناء الشعب وهويته الوطنية والإسلامية "، إلا أنه قُوبل بردود فعل مختلفة داخليا ودوليا. ومع انتشار الخبر إعلاميا سرعان ما اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بردود أفعال واسعة شعبية ورسمية .
مواقف داخلية ودولية
داخليا تباينت ردود الأفعال لدى العراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي، بين مرحّبٍ بتشريع القانون، ومنددٍ له . ففي حين وصف البعض هذه الخطوة بالشُجاعة والتاريخية ، اعتبرها أخرون انتهاكاً لحرية العراقيين وخطوة تعيد العراق الى الوراء. وتسائل أخرون عن مدى أهمية تشريع هذا القانون في وقت يحتاج فيه المواطن العراقي إلى قوانين وتشريعات ذات أولوية أكبر. كما وشاركت شخصيات سياسية عراقية فرحتها بتغريدات على موقع تويتر وأشادت بهذا القانون. من أبرز تلك الشخصيات العراقية مقتدى الصدر ، زعيم التيار الصدري ،الذي دعا أنصاره للخروج الي الشوارع للاحتفال بهذا "المنجز العظيم". أما "كتلة تحالف قوى الدولة الوطنية" فقد أشادت بدور اللجنة القانونية التي كتبت مشروع قانون حظر التطبيع. وذكرت في بيان لها أن هذا القانون كفيل بغلق الباب أمام كل من تسول له نفسه التطبيع مع الكيان الصهيوني..." وقال القيادي في حركة "عصائب أهل الحق" ، نعيم العبودي في تغريدة له على توتير: إن "تصويت مجلس النواب العراقي على قانون تجريم التّطبيع مع العدوّ الإسرائيلي، في وقت الإزدحام على تواقيع التطبيع والانحناء، مع ما يتعرض له العراق من ضغوط غير مسبوقة يعتبر قرارًا شجاعًا وسياديًّا ويستحقُّ أن يفتخر به العراقيون..."
ردود الأفعال الداخلية لم تقتصر على تثمين هذا القانون بل ذهبت الى تحليله ونقد بنوده والتشكيك في جدواه و الهدف من تسنينه وصولاً إلى اعتباره مفتاحاً أمام التطبيع مع إسرائيل وليس تجريماً له. فقد انتقدت بعض النخب السياسية والأكاديمية والمهتمين بالشأن العراقي هذا القانون وأشاروا الى تعارضه مع بنود وردت في الدستور متصلة بحرية التعبير عن الرأي، وحرية الصحافة والإعلام. كما أشار آخرون إلى أن بعض فقراته قد تكون بداية لشرعنة التطبيع وصولاً إلى الاعتراف به، خاصة المادة الخامسة والتي تبيحُ الزيارات الدينية بعد الحصول على موافقة من طرف وزارة الداخلية.
وقد وصف بيان "لكتائب حزب الله "ذلك بقوله "إن فقرة السماح بالزيارات الدينية في القانون يعد اعترافاً رسميا بـ(التطبيع الديني) مع الكيان الصهيوني" . وفي انتقدت "حركة النجباء" الشيعية، افي بيان لها حذف بعض المواد من مسودّة القانون وقالت إن فقرة الزيارات الدينية بموافقة وزارة الداخلية ، "يمكن أن تكون باباً من أبواب التطبيع والتجسس واعترافا ضمنيا بوجود الكيان الصهيوني" .
دولياً
وبالنظر في بعض ردود الأفعال الدولية فقد لازمت الدول العربية الصمت ولم تبدِ رأيها في هذا القانون . فيما عبرت حركة حماس الفلسطينية عن تثمينها لإقرار البرلمان العراقي قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل ، مشيرة إلى أنه يعبّر عن أصالة الشعب العراقي ومواقفه التاريخية المعهودة في دعم الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته الوطنية. أما "حزب الله" اللبناني، فقد أعرب عن تقديره للقرار وقال الحزب في بيان: "نعتز بالقرار التاريخي والهام الذي أصدره مجلس النواب العراقي والقاضي بتجريم التطبيع مع العدو الصهيوني"، مضيفًا أنها "خطوة كبيرة ورئيسية في مواجهة مسيرة التطبيع المذلة التي قامت بها بعض الدول العربية...". اما ايران فبارك سفيرها بالعراق ، محمد كاظم آل صادق، قانون تجريم تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وقال في تغريدة علي توتير أن القانون "شكّل حلقة جديدة مدعاة للفخر في سلسلة المواقف الأبية والشجاعة للشعب العراقي تجاه القضايا المصيرية للأمة الإسلامية."
بالنسبة لإسرائيل فقد أدانت وزارة الخارجية الإسرائيلية، قرار مجلس النواب العراقي " مشيرة إلى أنه "قانون يضع العراق والشعب العراقي في الجانب الخطأ من التاريخ ومنفصل عن الواقع". وتبعتها كل من الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا، فقد قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها "منزعجة للغاية" من هذه الخطوة التي "تهدد حرية التعبير وتروج لمعاداة السامية". فيما حثت وزيرة الدولة لشؤون آسيا والشرق الأوسط البريطانية ،أماندا ميلينك ، في تغريدة " السلطات العراقية على إلغاء هذا القانون دفعة واحدة. والقضاء على معاداة السامية بكل أشكالها".. وهو ما اعتبره رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي ، النائب عامر الفائز، تدخلا سافرا في شؤون العراق، بحسب ما نشره موقع ايرث نيوز الاخباري.
دستورية القانون
رغم سياسة بعض الدول العربية التي تتجه نحو التطبيع ومع اتساع قائمة الدول المطبعة مع اسرائيل بانضمام أربع دول عربية (الامارات، البحرين ، السودان والمغرب) سنة 2020 (إضافة لمصر 1979 والأردن 1994) الا ان العراق وعلى مدى عقود طويلة رفض أي علاقات مع إسرائيل ، حتى أن فقرات دستورية اعتمدت في الماضي تنص على عقوبات تتراوح بين السجن المؤبد والاعدام بحق المتعاونين أو المتعاملين مع "الاحتلال الإسرائيلي" . ويعد قانون تجريم التطبيع أول قانون تشريعي من نوعه في العراق وهو ربما ما جعله عرضة لانتقادات كثيرة وتساؤلات عديدة حول دستوريته ومدى تعارضه مع حق المواطن العراقي في التفكير وحرية التعبير ومدى انعكاساته على العراق وعلاقاته الخارجية.
يرى الدكتور ناصيف نعيم ، الخبير الألماني- السوري في القانون الدستوري ، ان القانون يبدو في الظاهر متوافق مع الدستور العراقي، أي انه لا توجد فيه ثغرة واضحة للعيان من ناحية المبدأ. واضاف ان القانون يمكن ان يقيّد بعض الحقوق والحريات كحق التعبير عن الرأي وحرية النشر وحق السفر. وفي ما إذا كان هذا التقييد يخالف المادة 46 من الدستور العراقي والتي تمنع المساس بجوهر الحق، قال نعيم ان هذه مسالة لا يمكن التكهن بها ويعود تقديرها للمحكمة الاتحادية العليا. وأردف أن الدستور العراقي قد أقر بدور قوي للمبادئ الإسلامية في التركيبة القانونية ، واعترف بالبعد العربي للعراق كعضو فعال ومؤسس في الجامعة العربية. هذا الترابط بين تسبيب القانون والدستور قد يكون عاملا حاسما في اعتبار ان تقييد الحقوق والحريات في هذا المقام متوافقا مع الدستور، بمعنى أن الحرية (جوهر الحق) مقيدة أصلاً من هذه الجهة بحكم القواعد الدستورية الأخرى. وختم الدكتور نعيم قائلا انه يجب انتظار القضاء العراقي إذا تم رفع دعوى بهذا الخصوص.
انعكاسات هذا القانون على العراق وعلاقاته الخارجية
لا يزال هناك الكثير من الإلتباس بين حلفاء وشركاء العراق الدوليين حول كيفية تفسير القانون وتطبيقه على الأرض في حال ما تمت المصادقة عليه من طرف رئاسة الجمهورية . ومع الصمت الحذر للاتحاد الأوروبي والإدانة الأمريكية لهذا القانون تعددت التأويلات حول انعكاسات هذا القرار على علاقات العراق بشركائه الغربيين وخصوصاً مع الولايات المتحدة الامريكية التي أعربت عن مخاوف جدية بشأن حرية التعبير في البلاد وانعكاسات هذا القرار على السياسة الخارجية للعراق.
ترى ايفانا رودا ، الخبيرة الألمانية والباحثة في الشأن العراقي ، أن العلاقات بين الولايات المتحدة الامريكية والعراق لن تتأثر بهذا القانون على عكس ما ذهب إليه عدد من المحللين. وتوقعت أن تظلّ العلاقة جيدة بين البلدين في المستقبل المنظور وعللت ذلك بوجود سببين رئيسيين أولهما أن العراق يعد شريك رئيسي واستراتيجي لأمريكا في المنطقة منذ 2003. ويعمل البلدان معاً في جملة من القضايا المشتركة منها الدفاع والأمن والتجارة والطاقة والثقافة . أما السبب الثاني فهو أن هذا القانون لا يعد مفاجأة أو تغييرا في سياسة العراق فالشعب العراقي بطبعه وفي أغلبه رافض للتطبيع مع إسرائيل وليست لديه علاقات معها، ناهيك عن الثقافة الجماعية العراقية الرافضة لإسرائيل تعاطفا مع القضية الفلسطينية. وبالتالي يمكن اعتبار القانون مسألة شكلية تتماشى مع الواقع ولا تغيره. واردفت بالقول ان المصالح المشتركة بين البلدين اقوى من ان تتأثر بقرارات داخلية ، مرجحة أن الولايات المتحدة الامريكية لن تسعى لخسارة حليف مهم في الشرق الأوسط خصوصاً مع تنامي الدور الروسي في المنطقة.
وتطرقت "رودا" إلى مسألة عمل المنظمات الدولية وما يمكن أن تواجهه من اعتبارات أخلاقية ، من بينها كيفية حماية شركائها العراقيين المحليين من استهدافهم واعتبارهم "مؤيدين للتطبيع" إذ أن الصياغة الغامضة للقانون تترك مجالًا كبيرًا للتأويل وسوء التفسير، وبالتالي يمكن استغلالها بسهولة للتشكيك في أصوات المجتمع السياسي والمدني الذي يمكن ان يكون له تواصل بطريقة أو بأخرى بمؤسسات او منظمات دولية لها علاقات مع إسرائيل . وختمت بالقول انه اذا نظرنا الى هذا القانون من منظور التطورات الداخلية في العراق فمن المرجح ان طرحه كان لمجرد صرف الانتباه عن المأزق السياسي الحالي في العراق وفشل تشكيل حكومة.