الزمن اللازم للقراءة: 5 دقيقة
الإصلاح التربوي

الخطوة الإولى: إصلاح التعليم

مقالة خاصة
مادة اعلانية
دورات معهد جوته لتحسين التعليم
من المتوقع أن تقديم مفاهيم أكثر ديناميكية في القيادة والإدارة التعليمية، سيخلق بيئة تعليمية يتفاعل معا التلاميذ بشكل أكبر. المصور: ناديا منير معهد جوته

في ظلّ البطالة الحادّة المتفشّية بين صفوف الشباب، تبقى عملية إصلاح التربية في العالم العربيّ مهمّةً جوهريّة. إن التدريب الذي يقدّمه معهد جوته في تونس ومصر يساعد على تطوير إدارة المدارس وتزويد وزارات التربية بالدعم والخبرة.

إلى جانب المسائل المتعلقة بالأمن والنزاعات، تمثل بطالة الشباب المشكلة الأخطر التي يواجهها العالم العربيّ حيث يشكّل من هم دون سن الخامسة والعشرين حوالي ٦٠ بالمئة من السكّان. العديد من الشبّان ينهون دراستهم ولكن يعجزون عن إيجاد عمل لائق، ممّا يولّد لديهم الاحباط واليأس وقد يشعل فتيل عدم استقرار اجتماعيّ وسياسيّ مستقبليّ محتمَل.

 

ويشكّل الإصلاح التربويّ أحد مجالات التركيز إذ يرى الكثير من المراقبين أنّ أنظمة التربية في العالم العربيّ لا تعلّم مهارات مفيدة للحصول على عمل، فهي تركّز على الحفظ عن ظهر قلب وتهمل مهارات حياتيّة كالتفكير الناقد مثلًا. ولعبت السياقات السياسيّة أيضًا دورها: ففي البلاد ذات الأنظمة الاستبداديّة، تقلّ القابليّة السياسيّة في نشر التفكير المستقلّ.

 

بعد ثورة العام ٢٠١١ في تونس، كان هناك وعي بالضرورة الملحّة لإصلاح نظام التربية في البلاد. حيث درس المسؤولون في وزارة التربية التونسية مثال ألمانيا بعد اعادة توحيدها في العام ١٩٩٠، حيث أصلحت البلاد نظامها التعليميّ لملاءمة متطلّبات الاقتصاد الحديث. وضمن إطار العمل مع معهد جوته على مشروع TUNESS (TUNEsien SchulSystem)، سافر المسؤولون من الوزارة إلى ألمانيا حيث تلقّوا التدريب والإرشاد.

 

ضرورة إشراك الطلاب والمعلمين

 

يقول عادل حداد، المدير العامّ للمركز الدولي لتدريب المدرّبين التربويّين وابتكار المناهج التربويّة في الوزارة، أنّ النية هي تطوير كفاءات في تونس قد تُطوَّر داخليَّا بدورها لاحقًا؛ يقوم الخبراء التونسيّون الذين تلقّوا التدريب في ألمانيا بدورهم بتدريب زملاءهم. ويفيد حداد أيضًا بأنّ بناء قيادة أقوى وأكثر استقلاليّة لإدارة المؤسّسات التربويّة هو أحد أهداف المشروع، بالإضافة إلى معالجة النقص في آليّات الحكم المحلّيّ في المدارس الرسميّة التونسيّة.

 

بناء الخبرة في جوته

 

استهدف معهد جوته، في مصر ايضاً، نظام التعليم عبر التدريب والدعم، مركّزًا على مديري المدارس من بين فئات مستهدفة أخرى. جال الدكتور فيليكس إيمينغر، الخبير في التربية، على المدارس في مصر ووفّر التدريب فيما بعد في ألمانيا لمجموعة مختارة بشأن أساليب تنظيم أكثر حداثة، كإشراك الأساتذة في إدارة المدارس.

 

وتمّ استهلال دورات التدريب بالطلب من مديري المدراس المشتركين أن يتصوّروا مدرسة المستقبل، وقد تطرقّت هذه الدورات إلى مسائل التواصل واللامركزيّة وإدارة الوقت والاحترام المتبادل. وتعرّف عدد من المدرّبين على تلك المبادئ، وراحوا بدورهم يقيمون الدورات في مصر، كلّ منهم يتولّى تدريب ٢٥ مدرّبًا آخر، مّما يولّد أثرًا تعاقبيًّا في مصر.

 

حنان عزّت هي إحدى منظمات التدريب، تقول: "إنّ الحصول على تلاميذ جيّدين يتطلّب أساتذة جيّدين". "بدورهم، يحتاج الأساتذة الجيّدون إلى مديرين جيّدين، والمديرين الجيّدون يحتاجون إلى قادة جيّدين. لذا إنّها حالة معقّدة."

 

وفي ظلّ تركيز أولي على مديري المدارس العليا، يبقى الأمل في أن يُوَسَّعَ نطاق التدريبات اللاحقة ليشمل مديري المدارس الابتدائيّة والثانويّة أيضًا. تقول عزّت: "نأمل بالمتابعة حتّى يصل كلّ مدير مدرسة في البلاد إلى هذا التدريب."

دورات معهد جوته لتحسين التعليم
تمثل بطالة الشباب المشكلة الأخطر التي يواجهها العالم العربيّ المصور: طارق مرزوقي معهد جوته

معايير جديده لامتحانات اللغة

 

ويعتبر إيمينغر أنّه إذا اعتمدت القيادات التربويّة أقل على السلطة وحدها وطبقّت أساليب قيادة أكثر إشراكًا، فإن ذلك سيؤثّر على سلوك الموظّفين والأساتذة وبالتالي على تربية التلاميذ أيضًا. غير أنّه يودّ أن يرى تطبيق أساليب تربويّة أكثر ديناميكيّة، تشمل مدخلات من التلاميذ أنفسهم.

 

"ما زال التعليم يُعتَبَر للأسف مجهودًا أحادي المسلك لا تمرينًا مشتركًا بين الأساتذة والتلاميذ على حدّ سواء. إذا أردنا حقاً أن نحثّ التلاميذ على المشاركة بشكل أكبر، علينا أن نسمح للأساتذة بفسحة أوسع من الحريّة الخلّاقة في وضع الدروس. وإن اختبر التلاميذ التفاعل اليوميّ في المدرسة كتمرين في المشاركة، لن يحظوا بنظرة متعاطفة حيال التعليم فحسب، بل سيحملون مبدأ المشاركة هذا في حياتهم كراشدين أيضًا."

 

وينظّم معهد جوته برنامج تدريب آخر مع المسؤولين في وزارة التربية والتعليم في مصر. يشرح إيهاب زكي، مدرّب من الفيوم مشارك في التدريب، أنّ أهمّيّة استهداف هؤلاء الأفراد جليّة بالنظر إلى أن البعض ممّن يتلقّون التدريب سيكونون مسؤولين عن اقسام تضمّ آلاف الموظّفين. ويقول: "هذه مهمّة جبّارة. ونحن بحاجة إلى تزويد الناس بمهارات التواصل والإدارة اللازمة إن أردنا رؤية قيادة جيّدة."

 

في غضون ذلك، يتعلّم العديد من التلاميذ المصريين لغة ثانية في المدرسة، بما يشمل الألمانيّة. وقد عمل معهد جوته مع هذه المدارس لتطوير عمليّة التعليم فيها. كما عمل المعهد، بالإضافة إلى غيره من معاهد اللغة في البلاد، مع وزارة التربية والتعليم أيضًا للمساهمة في طريقة تقييم اللغات للمستويات الابتدائيّة (A)، من خلال إقامة ورشات عمل محدّدة مع موظّفي الوزارة المسؤولين عن وضع امتحانات اللغات الأجنبيّة. "أدخلَ ذلك مفاهيم كيفية تنفيذ هذه الامتحانات بطريقة أكثر تفاعليّة وليس التركيز على تعلّم المفردات فحسب بل وجود أيضًا جزء شفهيّ وجزء سمعيّ وجزء للمحادثة."

 

وعلى الرغم من أنّ الإصلاح التربويّ عمليّة دائمًا ما تكون بطيئة، تبدو مؤشّرات برامج معهد جوته، التي تركّز على بناء القدرات في إدارة المدارس واستقلاليّة المدارس وتطوير المعايير التربويّة، إيجابيّة. إنّ وزارتي التربية في تونس ومصر منفتحتان للتعاون وقد تلقّتا التدريب بحماس واشتركتا في الخبرة، والدليل على ذلك أنّه تمّ توفير هذه الإجراءات بناءً على رغبة الوزارتين.

 

ويؤمن حداد بأنّ تونس ستحظى في السنوات القليلة المقبلة بجيل جديد من القادة والمديرين في المدارس الرسميّة، يتمتّعون بمهارات وأساليب اهتمام بمؤسّساتهم اكتسبوها حديثا. وبالتزامن مع ذلك، سيحظى التلاميذ في المستقبل بآليّات انخراط أفضل، تمكّنهم من فهم سوق العمل وحاجاته لملاءمتها بشكل أفضل.

 

درس من التاريخ

 

أحدث انتقال تونس نحو الديمقراطيّة طريقة جديدة لقراءة تاريخ البلاد الغنيّ، لاسيّما تاريخها الحديث. يعتبر عادل حداد، المدير العامّ للمركز الدولي لتدريب المدرّبين التربويّين والابتكار التربويّ في الوزارة، أنّ السياسة هيمنت على تعليم التاريخ، ممّا جعل التلاميذ يفقدون اهتمامهم به. "يجب أن يتمتّع التلاميذ التونسيّون بالقدرة على الحوار والتساؤل حول تاريخهم بدلًا من تلقيه كما هو (من المعلّم). يجب أن يتغير تعليم التاريخ. وتشكّل طريقة التعليم المعتمدة في ألمانيا، مع كلّ ما تحتويه من تقييم صادق وناقد لأحداث الماضي، أساساً صلباً تتعلّم منه تونس أن تتماشى مع ماضيها بهدف التطلّع إلى مستقبل أفضل." سيحظى أيضًا التلاميذ في مصر بفرصة تعلّم تاريخ ألمانيا، بعد أن عمل معهد جوته على ادخال فصل عن تاريخ ألمانيا إلى مناهج المدارس الثانويّة التي تعلّم الألمانيّة. ويحصل هذا في بلاد يندر فيها التركيز على التاريخ خارج حدود مصر.

 

ووفّر معهد جوته أيضًا التدريب لأساتذة التاريخ في مصر وتونس للعمل على أساليب أكثر تفاعليّة للدروس، بما يشمل التعليم بالمصادر والطرق البديلة للتركيز على الوقائع والتواريخ. ويقول محمد أحمد، رئيس قسم التاريخ في مدرسة في منطقة عين شمس الذي شارك في ثلاث ورشات عمل تدريبيّة لأساتذة التاريخ، إنّه أخذ معه ما تعلّمه من مهارات إلى صفّه، ودمجها في تصميم دروسه. ويضيف: "نحن بحاجة للابتعاد عن طرق التعليم التقليديّة التي تعتمد على الحفظ عن ظهر قلب. تعلّمت خلال ورشات العمل أن أنقل الوقائع بطريقة جذابة وغير مباشرة، ونتج عن ذلك أحاديث ومناقشات أكثر جدوى." وأضاف أحمد أنّ ورشة العمل حثّت الأساتذة على مقاربة التاريخ بـ"عقلية منفتحة" حتّى ولو تعلّق الأمر بجوانب غير مرغوب بها (شائكه).


قام بإعداد هذا المقال طاقم مجلة زينيت لصالح معهد غوته. مشروع "شراكة التحويل" الذي يقوم به معهد غوته، مدعوم من قبل وزارة الخارجية لألمانية اللإتحادية.

عن: 
إينال طرفة ولارا جبالي