هنالك إجراءات عاجلة لا بدّ من اتِّخاذها من أجل دفع التشغيل في منطقةِ الّشرق الأوسط وخاصّة مقاومة ثقافة الاستنكاف والعارِ تجاه بعض المهن والشّعور بالخزيِ من قبل الأهل إزاء مسألة عمل الفتيات.
كانت المدّربة تفسر كيفية التعاملِ مع الزبائن الغاضبين والمجادلين، أمام 30 فتاةٍ جالسة في غرفةٍ تكاد تخلو من الهواء، في مدينة الزّرقاء (حوالي 45 دقيقة شمال العاصمة عمّان). وكان خطابها يعجّ بمصطلحاتٍ انكليزيّة ذات علاقة بميدان المبيعات: "حاوِلن -قدر الإمكانِ- احتواء الزبون والسّيطرة على الوضع".
بعد المحاضرة، قامت مجموعة من الطّالباتِ بلعب أدوار تجسّد حالات مختلفة أمام بقيّة الحضورِ ليتلقّين فيما بعد الملاحظات حول أدائهنّ. إنّ ورشة العملِ هذه هي جزء من برنامجٍ تموّله "هيئة الأمم المتّحدة للمرأة" لتحسين المستوى المعيشيِ والاجتماعي والاقتصادي "للسيّدات ذواتِ الوضعيات الهشّة والمقيماتِ عند مجتمعات مضيفة". وينفّذ هذا البرنامج بمحافظتي الزّرقاء وإربد بشمال الأردن حيث توجد أعلى نسبة لجوء سوري في المملكة الأردنية، وتشرف على تطبيقِه منظّمة "التّعليمِ من أجل التّوظيفِ" بفرع الأردن وهي منظّمة غير حكوميّة.
هذا البرنامج موجّه لكلِّ الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهنّ ما بين 18 و26 سنة من أجلِ زيادة فرص العمل بالنسبة إليهن وتشجيعهنّ على المشاركة بالحياة المدنية وذلك من خلال تدريبهن في مجالات ادخال البيانات والسكرتارية وتقنيات التّواصلِ والتّعاملِ مع المشغّلين ومع الزبائن، كما يعلّم هذا البرنامج المنتفِعات به كيفية الانخراطِ الفاعلِ في الحياةِ السياسيّة والتعامل مع العنف الأُسَري
افضل ان اكون سارقاً على ان اعمل بجمع القمامة لإعالة اسرتيوتعتبر الفتيات المشاركات في البرنامج التدريبي الذي استغرق 9 أسابيع، أن ما تعلّمنه اعطاهنّ فكرة معمّقة عن عالم العمل وعزّز ثقتهنّ بأنفسهن لمواصلة المشوار في بحثهنّ عن وظائف. كما أجمعن على أن لهن طموحات كبيرة على المستوى المهني.
إحدى المشاركاتِ عبّرت، على سبيل المثال، عن نيّتها البحث عن عمل له علاقة بالتّواصل مع الزبائن في ميدان العلاقات العامّة وهي تأمل أن تُحسّن قدراتها لتبلغ مستوًى إداريّاً مهماً يمكّنها من الحصول على رتبة وظيفية عالية في ظرف 5 سنوات. وعبّرت فتاة أخرى عن نيتها العمل لمدة بضعة سنوات، قبل الالتحاق مجدّداً بمقاعد الجامعة للحصول على شهادةٍ في الصّيدلة تمكّنها من فتح صيدليّتها الخاصّة.
ولكن الأهم من الحصول على عمل، حسب الفتيات المشاركات، هو تعزيز الثّقة بالنفس والتمكين الذاتي لديهن. في هذا الصدد، صرّحت إحدى المشاركات أن "هذا التدريب مكّننا من الحصول على الاستقلالية وهذا أهم مكسبٍ". وفي نفس السياق، أكّدت مشاركة أخرى أن الدّورة التدريبيّة جعلتها تشعر أن لها مكاناً ودوراً تلعبه وهدفاً يمكنها أن تبلغه".
ورغم أن هؤلاء الشابات في الأردن قادرات على دخول سوق العمل محلّياً وعالميّاً، فإنّ الحصول على عملٍ لأوّل مرّةٍ يُعتبر تحديا كبيرا، حتى ولو تعلّق ذلك بوظيفة دنيا، فالمشغّلون مصرّون على توظيف أصحاب الخبرة والتّجربة والكفاءة دون غيرهم، حسب ما تؤكده احدى المشاركات، مضيفة، هذا دون اعتبار العادات والتّقاليد التي من شأنها أن تعقّد إمكانية حصول الفتيات على وظيفةٍ.
في نفس السّياق، تعتبر ابتسام المجالي، مديرة جمعيّة "شعاع" النسائيّة الخيريّة، النّاشطة بمدينة الزّرقاء، أنّ أولياء الشابّات، وخاصّة في المناطق الريفيّة الفقيرة، متردّدون في إعطاء الفرصة لبناتهنّ للحصول على عمل. أما بالنّسبة للشابّات العازبات والعاملات، فإنهنّ، وبعد الزّواج، يُجبَرن على ترك عملهنّ من طرف أزواجهنّ، الذين يرفضون تغير المنوال الاجتماعي التّقليدي القاضي بأن يكون الزّوج ربّ الأسرة وعائلها الوحيد.
كما تؤكد مديرة جمعيّة "شعاع"، الهادفة إلى تأهيل النّسوة أكاديميّاً ومهنيّاً واجتماعيّاً، منذ قرابة عشر سنوات، أن التحدّي الأكبر الذي تواجهه هذه الجمعية هو مقاومة ثقافة العار المرتبطة بعمل النساء؛ وبيّنت السيّدة "ابتسام المجالي" أن للجمعيّة استراتيجيات تهدف إلى تقليص مقاومة الأولياء لفكرة تشغيل بناتهنّ، ومنها استدعائهم للمشاركة في الدّورات التدريبية في مرحلة أولى، ثم تمكينهم من الحضور الى اماكن عمل بناتهم، خلال الأيام الأولى، بقصد طمأنتهم على أن بناتهم يشتغلن في ظروف جيدة تحفظ كرامتهنّ.
غير أنه توجد مشكلة أخرى تتمثل في رفض الأولياء لفكرة تنقل بناتهم بصفة فرديّة إلى أماكن عملهنّ، لا سيما وأنهن مجبرات على التنقل لمسافات طويلة للالتحاق بعملهنّ وبالتالي مغادرة البيت منذ الساعات الأولى من الصّباح إلى ساعات متأخّرة من المساء، نظرا لقلّة الأشغال في القطاع الخاص في المناطق الريفيّة.وما يزيد الطّين بلةً هو عدم توفر وسائل النقل العمومي في المناطق الريفية النّائية بالأردن. ويفسّر الخبير الاقتصادي "مروان خربوش"، غياب سياسات حكومية لإنشاء شبكة نقل عمومي متطوّرة، بقلّة الموارد البتروليّة، ذلك أن الأردن يستورد نصف حاجيّاته البتروليّة من العراق مجّانا والنّصف الآخر بأسعار تفاضليّة.
ونتيجة لغياب منظومة نقل عموميّ جيّدة، فإن قدرة الموظفين على التنقّل محدودة وهو ما يعمّق أزمة البطالة. وحسب السيّدة "المجالي"، فإن المحفّز الوحيد للأولياء لقبول عمل بناتهم هو مادي بالأساس: "لو سمح أب لابنته بالحصول على شغل، فذلك يرجع إلى حاجته إلى المال فحسب".
هنالك تغيير ولكنه غير كافٍ
ثقافة العار هذه تتعدى مسألة عمل النساء، لتشمل عزوف الكثير من الشّباب الأردني عن الاشتغال بمهن في القطاع الخاص لأنهم يعتبرونها مهينةً. فعلى الرّغم من ارتفاع نسبة البطالة (حوالي 12.7% على المستوى الوطني لتصل إلى نسبة 28.8% لدى الشباب)، حيث توجد قطاعات كالبناء والصناعة والزراعة تعتمد أساساً على يدٍ عاملة أجنبيّة. وتعتبر "غدير خفّاش"، المديرة التنفيذيّة لمنظّمة "التّعليم لأجل التّوظيف بالأردن” أن الشّباب في بلدها يفضّل الاشتغال بوظائف القطاع العام دون غيرها، وهو موقفٌ شائع في منطقة الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا. وهو وإن كان لا يرفض العمل في القطاع الخاص في وظائف معيّنة، فإنّه يتجنّب كلّ الوظائف اليدويّة والمهن الشاقّة لاعتقاده أنّها مهن ذات سمعةٍ سيّئةٍ وطابعٍ مهينٍ.
وأفاد استطلاع للرّأي نشرته مؤسّسة RAND سنة 2014 أن المشاركين بالاستطلاع المنتمين للطّبقات الوسطى بضواحي العاصمة عمّان يعكفون عن ممارسة بعض المهن باعتبارها "مخزيةً"، وفي نفس السّياق، شدّد شاب يقطن بأحد الضواحي العمّالية بعمّان، أنّه في حالة فقدانه لمورد رزق يعيش منه، فإنه يفضّل أن يصبح سارقاً على أن يمتهن جمع القمامة مثلاً، وفسّر ذلك بنظرة المجتمع لمثل هذه المهن التي تجلب المهانة والعار لمن يقوم بها حسب تعبيره: "لو قرّرت، على سبيل المثال، الارتباط بفتاة، فإن السّؤال الأوّل الذي سوف يوجّهه والدها إليّ سيكون حول مهنتي، عندها سوف أكون في وضع لا أحسد عليه لأنه لا أحد يقبل أن يزوّج ابنته لعامل نظافة!"
السّنوات الخمس الأولى في حياتي المهنيّة هي التي نحتت شخصيّتي وجعلتني اَصِلُ الى ما وصلت اليه اليوم كما ساهم تزايد عدد اللّاجئين السوريين بالأردن مؤخرا، في توسيع قاعدة القوى العاملة؛ وعلى الرّغم من أنه لا يُسمح قانونيّاً للاّجئين بالعمل في أغلب القطاعات، إلا أن الخبرات المهنيّة لهؤلاء، بالإضافة الى رغبتهم في الحصول على عمل، حتّى وإن كان ذلك يتطلّب العمل لساعات طويلة والحصول على أجر أقلّ، جعلتهم قِبلة للمشغلّين. وتعتبر غدير خفّاش أن اليد العاملة السوريّة بالأردن التي تزاحم اليد العاملة المحليّة، لها مفعول إيجابي على طالبي العمل في الأردن، حيث أصبحوا يسعون إلى البحث عن مهن كانوا يستنكفون ممارستها في الماضي: "لقد لاحظوا أن السوريين قد استفادوا من هذه المهن التي يقومون بها بشكل جيّد، مما جعلهم يفكّرون بفعل نفس الشيء".
لقد تحدّثنا إلى رجل الأعمال الأردني النّاجح والمشهور، أمجد العريان الذي أخبرنا كيف سافر إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة في سن ال-18 واشتغل لمدة 5 سنوات في بداياته كعامل بمحطّة بنزين ثم كبائع سيّارات ثم في تنظيف السجّاد والبُسُط، قبل أن يقرّر الالتحاق بكلّية الصّيدلة في سن ال-23 ثم، وبعد حصوله على شهادته الجامعيّة، عاد إلى الأردن حيث أسّس مشروع "الصيدلية 1" (Pharmacy 1) لتصبح فيما بعد سلسلة صيدليّات ناجحة، تضم أكثر من 75 صيدليّة بالأردن وتنتشر في كامل الشّرق الأوسط.
ولقد ثمّن أمجد العريان تجاربه المهنيّة الأولى التي ساهمت، حسب تعبيره، في تكوين شخصيّته ومنحته الثّقة في النفس وقوَّت رغبته في التّحدي: "السّنوات الخمس الأولى في حياتي المهنيّة هي التي نحتت شخصيّتي وجعلتني اَصِلُ الى ما وصلت اليه اليوم".ولقد بيّن لنا أمجد العريان أنه على إثر عودته إلى بلده واشتغاله كصيدليّ، طلب منه أصدقاء والده المقرّبين بكل لطف ألا يتحدّث عن تجاربه المهنيّة السّابقة مثل اشتغاله كمنظّف بُسُط لأن ذلك لا يليق برجل أعمالٍ ناجحٍ. وبشكل عام، يعتبر أمجد العريان أن غياب قدوة ناجحة للشّباب من أصحاب المهن اليدويّة أو المهن الشاقة يمثل إشكالاً، بالإضافة الى قلّة إطلاع الطّلبة والشّباب عموماً على المسارات التربويّة المهنيّة لما سمّاه "بالمهن العاديّة"، كمهنة السبّاك مثلاً.
البحث عن نماذج بديلة
للتّعليم مساراتٍ مختلفة كالمسار المهني والمسار الأكاديميّ وأن كلّ هذه المسارات هي على نفس الأهمّية والقيمةلقد تبنّت غدير خفّاش فكرة الاصلاح التربوي العميق وهي تعتبر أن المجهودات التي تقوم بها منظّمة "التّعليم لأجل التّوظيف بالأردن" من أجل تغيير المفاهيم النمطيّة السلبيّة في ثقافة العمل عند الشّباب، في حاجة إلى دعم أكبر. ولقد ذكرت أن الكتب المدرسيّة لا تحتوي على أي أمثلةٍ إيجابيةٍ من شأنها أن تجعل صورة المهن والوظائف اليدوية مقبولةً أو جيّدة، في حين أن نفس الكتب مليئة بصورٍ نمطية تكرّس منوال المجتمع الرّجالي على غرار صورة الزّوجة التي تنظّف البيت وتطهو الطعام، في حين أن زوجها يغادر البيت للعمل. "الكثير من الطّالبات يجهلن أن العمل هو حق بالنسبة لهنّ، لأن المدرسة لم تعطهم أبداً أمثلة عن نسوةٍ متألقاتٍ في المهن التي يتعاطينها، كما أن المنظومة التربويّة الحاليّة لا تشجع على ثقافة العمل، لذلك لا بدّ من تغيير البرامج المدرسيّة."، تؤكد خفاش.
وفي سياقٍ آخر أوضّحت كريستين شينكمان، مستشارة الدول العربية لدى iMOVE وهي وكالة حكوميّة ألمانية تهتم بتقديم الخدمات والدّعم للمنظّمات الألمانيّة النّاشطة في العالم في ميادين التّعليم والتّربية، أن ألمانيا تتّمتع بنظام تعليمي ناجحٍ، لأنه مزدوج المنحى، فهو يوفّر توجيهاً وإرشاداً نحو الوظائف ذات الطّابع المهني، وفي نفس الوقت، يقدّم آليّات تسمح بالدّمج السّهل ما بين التّدريب المهني والتّعليم في القطاع الخاص.
وتؤكّد شينكمان أن أهمّ درس يمكن تعلّمه فيما يخصّ التّعليم المهني، يتمثّل في إقناع كلّ الأطراف المتداخلة في تربية الطفل، سواءً داخل المدرسة أو خارجها، بأنّ التدريب المهني والوظائف المهنيّة والأعمال اليدويّة لا يمكن بأي حالٍ اعتبارها وظائف وسخة أو منبوذة: "منذ أولى مراحل التّعليم برياض الأطفال، يتوجّب على الأولياء والمعلّمين تفسير أشياءٍ للناشئة، منها أن للتّعليم مساراتٍ مختلفة كالمسار المهني والمسار الأكاديميّ وأن كلّ هذه المسارات هي على نفس الأهمّية والقيمة".
بات من الجليّ أنه هنالك حاجةٌ إلى تغييرات جذريةّ في ميادين التّربية والتّعليم؛ وفي هذا الإطار، أبرز عادل عبد الغفّار في مقال نشره مؤخراً حول مشكلة البطالة في مصر لحساب مؤسسّة Brookings، أنّ الحاجة ملحّة اليوم إلى إجراء إصلاحات في ميدان التعليم، مقترحاً أن يتخلّى بلده عن نموذج التعليم العالي الجماهيري المجّاني المفتقد للجودة وأن يركّز على تكوين جيّد ومتميّز لنسبة أقلّ من المتخرّجين تضمن الكفاءة العالية لديهم، مع مراجعة وتعزيز المسار المهنيّ بشكل يضمن التّكوين الجيّد، وذلك بتدعيم الرّوابط مع الصناعيين في القطاع الخاص، حتى يتمّ تأهيل المتخرّجين من القطاع المهني وإعدادهم لدخول سوق العمل.
ويعتقد عبد الغفّار أن على مصر أن تأخذ البرازيل نموذجاً، ذلك أن هذا البلد أدمج، مع بداية التسعينات، التّعليم المهني مع مؤسسّات التعليم العالي، وقام في نفس الوقت بحملةٍ دعائيةٍ وإشهاريّةٍ ناجحة من أجل تحسين صورة التعليم المهني وإبراز أنه ضامن لمستقبل ناجح قابل للتطوّر وموفّر لدخل ماديٍ جيدٍ. وترى السيدة شينكمان أن مثل هذه الحملات سوف تنجح حتماً في حال توفّر فرص عمل مهني تضمن موارد مالية جيدة. وفي نفس الوقت، أبرز التّقرير الذي قامت به مؤسسة RAND أن هناك علاقة بينّ “ثقافة العار" المرتبطة بالمهن اليدويّة والدخل الضّعيف الذي توفّره مثل هذه المهن.
الفشل قد يكون مكلفاً
لقد قامت "المبادرة القومية للتّوظيف" بإنشاء مركز للتّوظيف بالقاهرة بغية تجاوز الفجوة بين الوظائف الشّاغرة من جانب وبين الباحثين عن عمل في الوظائف الفنّية والمهنيّة، من جانب آخر، شريطة أن تكون هذه الوظائف لائقة. وتهدف "المبادرة القومية للتّوظيف" إلى تواصل عملية التوظيف على المدى الطويل.
ويعتقد السيّد محمّد عزت، مدير المبادرة، أنّه على الرّغم من الشّغور الموجود في عروض العمل بالنّسبة للوظائف المهنيّة، فإن الشّباب يعزف عن مثل هذه المهن ويحبّذ الاشتغال في القطاع غير الرّسمي أو الموازي (المهن الحرة)، لأنه يوفّر ساعات عمل مرنة ولا يفرض أرباب عمل. وفي بعض الأحيان، يكون مربحاً ومغرياً أكثر من وظائف القطاع الخاص. ويبلغ حجم الاقتصاد غير الرّسمي أو الموازي حوالي ثلثي القطاع الرّسمي؛ ومنذ سنة 2011، ومع محاولات القطاع الخاص تعزيز مكانته، تصاعدت عروض العمل المقدّمة في هذا المجال. ولقد بيّنت الاحصائيّات الأخيرة في مصر أن نسبة 42% فقط من العمّال من ذوي مستوى تعليمي ثانوي، تحصّلوا على عقود عمل بالقطاع الخاص. ويؤكّد السيّد عزّت على أنّ العمل بالقطاع الخاص في حدّ ذاته لا يضمن الأمان الوظيفي.
يُفسر انعدام الاستقرار في القطاع الخاص، رغبة الشّباب في الحصول على وظيفة في القطاع العام، لأنه يضمن عدم طردهم من العمل. ويعتقد عادل عبد الغفّار أن الوظيفة العموميّة تسهّل الارتقاء في السلم الوظيفي. والملفت للانتباه في البحث الذي اجراه هذا الأخير هي الرّدود التي صدرت عن مضيفي طيران يعملون في الشّركة الوطنيّة "مصر للطيّران"، عند سؤالهم عن سبب تمسكهم بوظائفهم في الشّركة الوطنيّة المصريّة، وعدم رغبتهم في العمل مع شركات طيران خليجيّة، رغم الأجور العالية التي تقدمها هذه الشركات، فقد أجمعوا أن الأجر الأعلى لا يهم وأنهم سوف يكونون عرضة للطّرد في أيّ لحظة، إذا قبلوا العمل مع شركات طيران خاصّة.
ويجزم عبد الغفّار أن القطاع الخاص يمكن أن يكون أكثر إغراءً في حال القيام بتغييرات جذريّة، كإنشاء ترسانة قانونيّة تحمي حقوق الأُجراء ورفع الأجر الأدنى. ومع تزايد عدد طالبي العمل الى 000 450 سنوياً في مصر، فإن التشغيل يمثّل هاجساً كبيراً للحكومة المصريّة. ويؤكّد عادل عبد الغفّار على وجود علاقة ترابطيّة ما بين سوق الشّغل والبطالة من جهة، والاستقرار السّياسي والاجتماعي من جهة أخرى. ويدعّم التّقرير الذي أجراه البنك الإفريقي للتنمية في 24 دولة نامية هذه العلاقة الترابطيّة التي أبرزها الأستاذ عبد الغفّار في دراسته. كما أكدت نفس الدراسة على ضرورة اعتراف الحكومة المصريّة بالحاجة الملحّة والمستعجلة لرفع التحدّيات التي تنتظرها: "المسألة تتعدّى الآن أصحاب الشهادات العليا العاطلين عن العمل لتشمل كلّ الشباب الذي انتفض وثار من أجل حقوقه الاجتماعية والاقتصادية ولو حُرم هذا الشّباب من الحُقوق التي طالب بها فإنّه من الممكن جدّاً أن ينتفض في السّنوات القادمة."
في الأردن، كما في مصر، يُعوّل بعض الشباب على دعم عائلاتهم وأقاربهم حتى يتحصّلوا على فرص عملٍ مناسبةٍ ببلدانهم أو يتحينون الفرصة للهجرة إلى بلدان الخليج للظفر بعقود عملٍ جيدة، ولكن ذلك غير مُتاحٍ للجميع. وأمام كلّ هذه الصّعوبات في الحصول على وظيفة مناسبة، عبّرت غدير خفّاش من فرع الأردن بمنظّمة "التّعليم من أجل التّوظيف" عن مخاوفها فيما يخص مستقبل الشّباب بالمناطق الريفيّة النّائية التي لم تصلها التنمية قائلة: "نحن خائفون جدا أن يكون هؤلاء الشّباب عرضةً لتأثيرات داعش التي يمكن أن تغريهم بالمال الوفير."
ترجمة: د. زياد بن عمر