عن عمر يناهز الـ 81، حقق ميشال عون أخيراً حلمه بأن يصبح رئيساً للبنان. لكنه اضطر الى التخلي عن قيمه للوصول إلى موقع الرئاسة.
انتخب ميشال عون رئيساً للبنان في 31 تشرين الأول/أكتوبر، وذلك بفضل دعم أمراء الحرب السابقين، وفروع السلالات السياسية الإقطاعية الجديدة والبرلمانيين الموالين للديكتاتور السوري بشار الأسد. ولكن في يوم من الأيام، إن صورة عون كمعترض على هذا النوع من الأشرار السياسيين هي التي جعلت منه شخصية ذات شعبية في المقام الأول.
ويرتبط صعود عون السياسي ارتباطاً وثيقاً بالحرب الأهلية اللبنانية وتفكك هياكل الدولة. كقائد للجيش، حارب طغيان الميليشيات في الثمانينيات. وكعضو في المجموعة المارونية المسيحية، ساعدت صلابته ضد أمراء الحرب المسيحيين في بناء سمعته بشكل كبير في البلاد المجزأة دينياً. ففي ذلك الوقت، خرج مئات الآلاف من المواطنين اللبنانيين ومعظمهم من الشباب إلى الشارع لدعم "الجنرال".
وبعد تعيينه رئيساً للوزراء وسط أزمة حكومية في عام 1988، انتقد عون النخب الفاسدة ولعب ورقة القومية مع مهاترات ضد النفوذ السوري في لبنان. ونادى بإقامة دولة مركزية قوية من شأنها أن تخدم جميع المواطنين بغض النظر عن خلفياتهم الدينية أو الاجتماعية.
ولكن بعد ذلك، أظهر عون جانبه الآخر: فقد كان السياسي الوحيد المهم الذي رفض اتفاق الطائف لإنهاء الحرب الأهلية في لبنان. وكان السبب الرسمي لذلك أنه يرسخ الوجود السوري في البلاد. ولكن لا بدّ أن السبب كان أيضاً أن الاتفاق أضعف بشكل كبير موقع رئاسة الجمهورية، مما جعل حلمه بأن يصبح رئيساً، والذي طال انتظاره، أقل جاذبية. وفي غضون ذلك، دفع السكان الذين أنهكتهم الحرب ثمناً باهظاً عن معركة الاستنزاف بين الموالين لعون والجيش السوري، الذي كان يأمر الجنرال بقصفه بينما كان يعيش في منفاه في فرنسا.
ولكن حتى بعد 15 عاماً تقريباً، تمكّن من الحفاظ على سمعته كرجل وطني لا يتبع للولاءات الدينية التي عملت بلا كلل لتقويض سلطة الدولةوعندما عاد من المنفى في عام 2005، احتفل عشرات الآلاف من أنصاره.
خلال الانتخابات النيابية في ذلك العام، كان التيار الوطني الحر الحزب المسيحي الأقوى إلى حد كبير، الأمر الذي أزعج النخب السياسية التي استبعدته من المفاوضات الائتلافية. وفي الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية لذلك العام، غالباً ما كان أنصاره يرددون أن "الجنرال مستعد للتضحية بعائلته لتحقيق حلمه في الرئاسة".
ولكن بدلاً من ذلك، دخل عون في تحالفات مع ممثلي الإقطاع السياسي الذي لطالما هاجمه. فضلاً عن ذلك، مع تتويج صهره جبران باسيل رئيساً للحزب، اصبح عون حالياً ليس ببعيد عن إقطاعييّ السلالات السياسية مثل عائلة جنبلاط أو عائلة الجميل.
ومنذ تحالفه مع الحزب و الميليشيا الشيعية "حزب الله" في عام 2006، طالب عون باحتكار الدولة على العنف إلى حد السخف. وبسبب هذا التحالف مع حزب الله وغيره من أتباع الأسد، بالكاد يمكن بعد تصديق رفضه للنفوذ السوري في البلاد. أما كبار الشخصيات الأجنبية الأولى التي استقبلت عون كرئيس فتمثلت بالوزراء السوريين والإيرانيين. وفي نظام سياسي يعتمد فيه السياسيون المسيحيون إلى حد كبير على الأصوات المسيحية، كيّف كل أجندته اللبنانية لصالح السياسات التي تخدم المسيحيين.
استراتيجيات ماكرة
قدّمت هذه السنة ظروف مواتية للمتاجرة، مما أدى إلى انتخاب عون في مجلس النواب. فحزب الله بحاجة، في النهاية، إلى دعم التيار الوطني الحر لمهمته الأجنبية في سوريا. ومقابل الموافقة على عون، استعاد رئيس الوزراء السابق السني سعد الحريري منصبه، بعد أن كان قد اضطر إلى التنحي في عام 2011 تحت ضغط من نفس التحالف بين عون وحزب الله.
أما منافس عون سمير جعجع فقد دعم ترشيحه، لأن الوقت لصالحه. فبعد ست سنوات، سيضطر عون للتخلي عن منصبه لأنه سيكون قد أصبح كبيراً جداً في السن بحسب الدستور، ممهداً الطريق لجعجع، الزعيم البالغ من العمر 64 عاماً للحزب القومي المسيحي، القوات اللبنانية. وقد أثار هذا الأمر شائعات بأن السبب الحقيقي وراء التسوية هو السؤال حول ما إذا كان الجنرال لم يعد قادر جسدياً وعقلياً على القيام بهذه المهمة، وبالتالي لا يشكل خطراً. ولمحاربة الشائعات وتعزيز مكانته، لجأ عون فوراً إلى الشعبوية، قائلاً أن المليون لاجئ سوريا الذي يعيشون في لبنان يجب أن يعودوا إلى ديارهم لأنهم يشكلون خطراً أمنياً.
قد تكون أحلام عون الرئاسية قد تحققت، لكنه اضطر إلى رمي صورته كمنقذ والظهور بمظهر الشرير السياسي البراغماتي ليصبح رئيساً.