على الرغم من احياء الإسرائيليين لذكرى مرور ٥٠ سنة على حرب الستة أيام، فالذي كان يعد نصراً استراتيجياً قد تسبب بمشاكل سياسية ما زالت إسرائيل تعاني منها حتى الآن، من وجهة نظر عسكرية. يقول المؤرخ هيلموت مايشر.
زينيت: في ذكرى مرور ٥٠ عاماً على حرب الستة أيام، في ٥ حزيران ١٩٦٧ عندما وقفت اسرائيل ضد مصر، الأردن وسوريا، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واصفاً هذه الحرب أنها "احدى أعظم الانتصارات في تاريخ إسرائيل". فهل توافقه الرأي؟
هيلموت مايشر: لا أوافقه الرأي أبداً، فحرب الستة أيام تسببت بالعديد من المشاكل السياسية لإسرائيل. جيشهم أزاح الحصار المصري عن مضيق تيران وكذلك عن ميناء ايلات لكنهم تمادوا عندما أعادوا السيطرة على سيناء. فوق كل هذا، فباحتلالهم الضفة الغربية استعادوا السيطرة على قسم كبير من الشعب الفلسطيني، هذا بعد أن تخلصوا منهم في عام ١٩٤٨. وأخيراً وبعد سيطرتهم على مرتفعات الجولان السورية لن تستطع إسرائيل حل أي من مشاكلها بشأن البنية التحتية للمياه في المنطقة.
أكمل نتنياهو حديثه عن "تحرير" يهود الجولان ومرتفعات الجولان. من وجهة نظره، فقد أعادت الحرب لإسرائيل جزءاً من وطنها.
تصريحه هذا كان موجه لحركة المستوطنين وأولئك الذين يدعمونهم في الكنيست، وهذا يشمل شركائه في التحالف.
بدأت حركة المستوطنين فوراً بعد حرب الستة أيام؟
هذا ليس دقيقاً، خلال الحرب العالمية الثانية كان الصهاينة والأردنيين يهدفون لتوطين الفلاحين اليهود على الضفة الشرقية من نهر الأردن، حيث ان الأردنيين خاضوا تجربة مماثلة حيت قاموا بتوطين الفلاحين الشركس القادمين من القوقاز في نفس المنطقة.
يعني ان حركة المستوطنين بدأت بعد عام ١٩٦٧ بهدف الزراعة؟
بالطبع لا. الهدف الأساسي وراء حركة المستوطنين التي نشبت بعد حرب الستة سنوات هو لحماية الحدود والممرات. علاوة على ان إسرائيل سعت لتوسيع اقليمها الضيق باحتلال الضفة الغربية. استراتيجية حركة المستوطنين التي بدأت بعد عام ١٩٦٧هي تطبيق لخطة آلون.
ماذا عن حركة المستوطنين في الوقت الحالي؟
إن الاستيطان الصهيوني الواسع النطاق، الذي نشهده اليوم، في الضفة الغربية الفلسطينية؛ هو مشروع اثني-ديني لحكومات حزب الليكود المتعاقبة. كان أريل شارون أول من دعاهم للاستيطان والانتشار على أكبر مساحة ممكنة. اليوم، وبوجود مجموعات قومية-دينية متطرفة مثل "شباب التل"، وبوجود سياسيين يقرعون الطبل ذاته، مثل نفتالي بنت، رئيس حزب البيت اليهودي، لن يكون هنالك جواب أو حتى حل لمسألة الاستيطان.
لنتكلم عما حدث قبل ٥٠ سنة. هل تستطيع أن تشرح لي كيف كان الوضع قبل اندلاع حرب الستة أيام؟
في الستينات تراجعت سمعة الرئيس المصري جمال عبد الناصر بسبب تدخله العسكري في الحرب الأهلية في اليمن بالإضافة إلى الحملة التي قاداها السعودية والأردن ضده. شعر جمال عبد الناصر بالإهانة والخزي. كان بحاجة ماسة لنصر سياسي يستعيد به مكانته وحكمه في العالم العربي، فكانت شبه جزيرة سيناء أفضل وسيلة لتحقيق خطته خصوصاً أنه تم استهدافها خلال أزمة السويس في عام ١٩٥٦.
بعد فترة قصيرة من قيام عبد الناصر بطرد قوات الأمم المتحدة ووضع قواته مكانهم، احتلت إسرائيل شبه جزيرة سيناء بشكل كامل. كيف من الممكن حدوث هذا؟
فكرة الحرب الخاطفة "بيلتزكريغ" باستخدام القوات الجوية والعربات المصفحة لعبت دور أساسي في الاستراتيجية العسكرية لإسرائيل. كان البنتاغون على دراية بما سوف يحدث عندما أراد المفاوضين الإسرائيليين شراء السلاح قبل اندلاع حرب الستة أيام، حيث تم رفض طلبهم. كان من المتوقع أن تربح إسرائيل الحرب بمجرد العتاد الذي بحوزتها على الرغم من الهجمة العربية. في النهاية، أُنهكت القوات المصرية، بقيادة الجيش السوفيتي، بعد يومين من بداية الحرب.
نظراً للمخاطر المحيطة بالرئيس المصري عبد الناصر، هل كانت الحرب الخاطفة "بليتزكريغ" ضربة مباغتة للعرب؟
النبرة العالية للرئيس المصري كانت أكبر دليل على عجزه. ذكر عبد الناصر، رداً على الرئيس الأمريكي ليندون جونسون، أنه يريد من الجماهير تأييده والتأكيد على قوته، بينما نلمس قوة لا يستهان بها وراء كل كلمة من كلمات الرئيس الأميركي. بالنسبة للقوات المصرية فقد كان الهجوم الماكر الإسرائيلي مدمراً. حيث كان من المفترض ان يقوم الرئيس المصري السابق، زكريا محي الدين، بزيارة لواشنطن في ٧ حزيران ١٩٦٧ من أجل وساطة لتهدئة في منطقة سيناء.
بغض النظر عن وجود عدو مشترك: كيف تعاملت الدول العربية مع بعضها البعض في ذلك الحين؟
الجامعة العربية كانت ممزقة. لهذا فقد عرضت دول المغرب، خلال حرب الستة أيام، تقديم العون لمصر أكثر من دول المشرق العربي، وبالأساس كانت مصر وسوريا قد انفصلتا عن بعضهم. بالنسبة للملوك في شبه الجزيرة العربية فقد كانوا ضد النظام الجمهوري والقومي. في سوريا، كانت تدور حرب باردة بين داعمي حزب البعث والجيش العلوي.
ماذا كان دور القوى العظمة، روسيا وأميركا؟
نظراً للمخاطر التي كانت من الممكن ان تنتج حرباً، انتهجت كل من القوى العظمى سياسة الاحتواء على الرغم من أنهم يقفون ضد بعضهم البعض في حرب الفيتنام. فضلت أميركا كسر جناح عبد الناصر لذلك أعطت اسرائيل الضوء الأخضر للهجوم. في المقابل فقد توقعت إسرائيل من أميركا ألا تطالبها بالانسحاب من المناطق التي فرضت سيطرتها عليها بعد نهاية الحرب، بعكس ما حصل في حرب سيناء عام ١٩٥٦.
وماذا فعل الاتحاد السوفيتي؟
قبل اندلاع حرب الستة أيام، قام الاتحاد السوفيتي بنشر اشاعات تقول إن إسرائيل تحشد قواتها على حدود سوريا، لكن جميعنا يعلم الآن أنها كانت خدعة. فقد كانوا يهدفون لإبعاد الأنظار عن حرب سيناء وتوجيهها نحو شمال الشرق الأوسط. وفيما يتعلق بدوافع الأطراف المعنية فإن التكهنات ما زالت قائمة.
حول ماذا تدور هذه التخمينات؟
هنالك حوار حول ما إذا كانت موسكو ترى بالماركسية السورية وحزب البعث حليفاً طبيعياً لها أكثر من الرئيس المصري والذي بالطبع كان يؤيد حركة بلدان عدم الانحياز. ايضاً لحد هذا اليوم، من الغير معروف حجم تأثير وجود مفاعل ديمونا في جنوب إسرائيل على مجرى تلك الاحداث.
كان الروس متأكدين انه يتم انتاج أسلحة نووية في ذلك الموقع؟
من الممكن القول ان شمعون بيريز، المدير العام لوزارة الدفاع، اعتبر ان الرادع النووي وسيلة مناسبة في اسوء الأحوال. ولكن اسحق رابين، رئيس الأركان، كان رافضاً ذلك.
بعيداً عن القوى العظمى، ما الدور الذي لعبته ألمانيا في تلك الفترة؟
لعبت الحكومة الفدرالية الألمانية دور مورّد السلاح. حيث لعبت ألمانيا الغربية دوراً قيادياً بتجهيز سرب الدبابات الإسرائيلي. ومن مخزونها الضخم من الأسلحة، زودتهم بالزوارق السريعة، مدافع هاوتزرز، طائرات هيلكوبتر، مدافع مضادة للطيران وإم-٤٨ باتون على وجه الخصوص، التي كانت الدبابة الأميركية الأكثر طلباً. كانت كمية الدبابات ضخمة، كما أنها كانت افضل من الدبابات السوفيتية التي استعملها الجيش المصري.
من وجهة نظرك: هل كانت حرب الستة أيام حرب دفاعية أم أنها حرب عدوانية؟
في المقام الأول، كانت حرب وقائية أثارها عبد الناصر برعونة مفاجئة. وقعت بالضبط بعد اتفاقية وقف اطلاق النار مع الأردن ومصر – عندما احتلت اسرائيل مرتفعات الجولان – ومن ثم تحولت إلى حرب عدوانية. صدر الأمر بالهجوم عن وزير الدفاع، موشي ديان، بعد أن اعترضت الاستخبارات الاسرائيلية رسالة من الرئيس المصري عبد الناصر. في الرسالة اعترف عبد الناصر بهزيمته وطلب من الرئيس السوري، نوري الأتاسي، أن يفعل الشيء ذاته لحماية جيشه. وبالمناسبة، بعد فترة من الزمن اعتبر ديان أن قراره كان خاطئاً.
مع احتلال قطاع غزة، شبه جزيرة سيناء، الضفة الغربية، القدس الشرقية ومرتفعات الجولان تم اعادة خلط الأوراق في الشرق الأوسط. ما العواقب التي طرأت على الصراع العربي الاسرائيلي؟
بعد حصار غزة أصبحت المنطقة المعزولة والتي تطل على البحر المتوسط مركزاً للمقاومة الفلسطينية المتأثرة بالقوى الإسلامية، مما أدى لاحقاً في عام ١٩٨٧ إلى تشكيل حركة حماس. في الوقت ذاته بات حصول العرب أوالأردنيين على ممر إلى البحر المتوسط أمراً بعيد المنال. كما ان سيناء أصبحت بطاقة مساومة جيدة بيد إسرائيل في نقاشات السلام اللاحقة مع مصر. بدون أي شك، بعد ضم اسرائيل شرق القدس ومرتفعات الجولان بالإضافة الى الاستيطان الممنهج في الضفة الغربية لن تتخلى عن هذه المناطق المحتلة. لذلك بات هذا الصراع معضلة.
كيف قيّمت إسرائيل هذه الحرب؟
كانت إسرائيل قبل حرب الستة أيام تعاني بالأساس من حالة احباط سائدة بسبب الأزمة الاقتصادية التي حدثت بعد أن غادر يهود أشكناز إلى أميركا وجنوب افريقيا، وكان معظم المهاجرين هم من يهود سفارديون. بعد الحرب، لاقى التكوين الديموغرافي الإسرائيلي في الضفة الغربية مواجهة بسبب تواجد العرب في تلك المنطقة. على عكس ما حدث في عام ١٩٤٧ و١٩٤٨ عندما هُجِّر ٧٠٠،٠٠٠ فلسطيني حيث لم يكن هنالك تدفق للاجئين. لذلك لم تُقدر أعداد الفلسطينيين المتزايدة.
هذا يعني أن من وجهة نظر إسرائيل لم يكن هنالك سوى المساوئ؟
كانت مهمة توسيع المنطقة الضيقة للتواجد الإسرائيلي أمر أساسي لأسباب أمنية. لهذا وإن كان من الممكن إيجاد توازن إيجابي فسيكون باستراتيجية عسكرية. علاوة على ذلك، فإن احتلالهم للقدس الشرقية أفسح لهم المجال للدخول إلى الحائط الغربي مما رفع من معنويات اليهود.
كيف غيرت حرب الستة أيام من مكانة إسرائيل في العالم؟
بعد فوز إسرائيل في الحرب توقعت الأمم المتحدة بدء محادثات السلام لحل الصراع في الشرق الأوسط. لهذا فهي طلبت من إسرائيل الانسحاب من المناطق المغتصبة وفي المقابل طلبت من العرب الاعتراف بالدولة اليهودية. ولكن إسرائيل جعلت الاعتراف بها شرطاً لبدء بمحادثات السلام مع كل دولة عربية مجاورة لها، قبل أن تتراجع عن الحدود المرسومة لوقف إطلاق النار. الأمر الذي تم رفضه من قبل العديد من الدول بينها الاتحاد السوفيتي كما رفضت الدول العربية أي حوار مع إسرائيل. فكان رد إسرائيل على هذا بزيادة قبضتها على المناطق المغتصبة.
ما التداعيات التي حصلت على الدول العربية المشاركة في حرب الستة أيام؟
خسرت الأردن الضفة الغربية، التي انتُزعتها إسرائيل رغماً عن إرادة الجامعة العربية في عام ١٩٥٠، هذا ما سبب خسارات اقتصادية كبيرة. تكبدت مصر أكبر قدر من الخسائر البشرية، بالإضافة إلى قناة السويس، حيث خسرت أهم مورد لها. كانت خسارة سوريا هي الأقل بعيداً عن خسارتها لمرتفعات الجولان.
ماذا عن الحراك الفلسطيني؟
جهز عبد الناصر في عام ١٩٦٤ لمنظمة التحرير الفلسطينية. بعد شهر واحد من انتهاء حرب الستة أيام بدأ ياسر عرفات بتنظيم حرب عصابات ضد الجند الإسرائيليين في الضفة الغربية. قبل نهاية السنة نقل مركزه الى الضفة الشرقية لنهر الأردن حيث أمضى هناك ثلاثة سنوات قبل أن يتم نفيه الى لبنان.
كيف كان تأثير عواقب حرب الستة أيام على علاقة القوى العظمى – الاتحاد السوفيتي وأميركا – مع الدول العربية؟
واجهت دبلوماسية الوساطة الأميركية العديد من التحديات. بائت توقعات المستشار الأمني الأميركي، والت روستو، بالفشل: فقد توقع التوصل لسياسة أكثر اعتدالاً تحت حكم رئيس آخر بعد كسر جناح عبد الناصر. تم سحق معتقد القومية العربية حتى أصيبت الحشود الهاتفة بالإحباط. أدركت واشنطن قدرة السياسات الإسلامية على النهوض بنفسها كالسياسة التي اتبعها الملك السعودي، فيصل. كان من مصلحتهم الحد من هذه السياسات، ليس فقط في الحرب الأهلية في اليمن. لهذا فهم فقدوا سيطرتهم على الاضطرابات الحاصلة في سوريا، العراق والأردن. ومن الغير معروف فيما إذا كانت الولايات المتحدة تريد ترك البعثيين للاتحاد السوفيتي – بنفس الطريقة التي انقسمت المصالح بين الفرنسيين والإنكليز سابقاً. اما بالنسبة للنفط السعودي لم يكن ذو صلة بالموضوع بالنسبة للأمريكان بعد.
لقد تغير هذا بشكل كبير فيما بعد.
نعم بالتأكيد. نستطيع الجزم بأن اهتمام أميركا بنفط السعودية كان لصالح إسرائيل. بسبب هذه المصلحة اضطرت واشنطن لإقرار سياسة خاصة بالشرق الأوسط وذلك في منتصف القرن العشرين. كان لإسرائيل تأثيراً كبيراً على هذه السياسة. هذه ليست نظرية مؤامرة بل استراتيجية سياسية موثقة في سجلات المنظمة الصهيونية في أميركا.
هل لإسرائيل أهمية استراتيجية لدى الغرب؟
بالطبع. وخصوصاً في الحرب الباردة فقد كان للجيش الإسرائيلي أهمية كبيرة لدى الغرب حيث استفادوا منه في ملئ فراغ حلف الناتو في الجنوب الشرقي للبحر المتوسط، وبالطبع استفادت إسرائيل من ذلك. ترك الغرب للمنطقة لأسباب تتعلق بسياسة الطاقة أو أسباب أيديولوجية أخرى ليس من صالح إسرائيل ولا من صالح الشرق الأوسط، فقد يتسبب ذلك بعواقب كارثية. يمكن تلافي هذا في حال تقاربت القوى المتصارعة حتى وإن احتاج الأمر شمل روسيا في العملية.
هيلموت ميشر، ولد عام ١٩٣٧، مؤرخ ألماني بارز وخبير بأمور الشرق الأوسط. عمل منذ عام ١٩٧٧ حتى تقاعده في عام ٢٠٠٢ كبروفسور في التاريخ المعاصر وخاصة مع الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط في جامعة هامبورغ.
آخر كتاب له هو Der Nahe Osten im Zweiten Weltkrieg
(The Middle East during World War II) الشرق الأوسط خلال الحرب العالمية الثانية.
نُشر من قبل دار فرديناند شونينغ للنشر (فقط في ألمانيا).
