الطفلة السورية من اصل فلسطيني"ماريا" حظها العاثر وضعها في مرمى قناص عابث، لتبدء رحلة الألم و ألأمل.
كان يوما هادئا لا يدل على هول ما جرى فيه، توجهت مع ابنتي الصغيرة لزيارة احد الاقارب والذي لا يبعد منزله اكثر من مائة متر عن منزلنا بعد أن اصرت الصغيرة على الخروج من المنزل بقصد اللعب مع اولاد قريبنا.. بضع خطوات هو مدى ابتعادنا عن منزلنا ومثلهم هو مدى ابتعاد صغيرتي عني بعد ان افلتت يدي للبحث عن لحظة متعة طفولية، سقطت ماريا ارضا بعد أن اخترقت كتفها طلقة قناص لم اسمع صوتها؛ تتالت الطلقات المستهدفة الطفلة؛ لم استطع الحراك وكأنني أنا من اصيب، صراخ استغاثة الطفلة اعادني لوعيي، التقطها وركضت دون أن انظر خلفي.
هذا ما استطاع لسان والدة "ماريا" قوله عن لحظة اصابة طفلتها بطلقة قناص تابع لقوات الاسد في بلدة "الحسينية" التي تبعد عن العاصمة دمشق13 كيلومتر، ذات الغالبية السكانية الفلسطينية، والمحاصرة من قبل قوات النظام السوري آنذاك، فالطلقة التي اخترقت كتف "ماريا" واستقرت بعمودها الفقري؛ أدت الى شلل القسم السفلي من جسد الطفلة بحسب التقارير الطبية التي كتبها أطباء سوريون اشرفوا على علاج الطفلة قبل مغادرتها سوريا ووصولها الى لبنان قبل نحو الثلاث سنوات.
"رحلة البحث عن علاج للطفلة بدأت من أحد المشافي الميدانية المتواجد بالمنطقة، لكن ضعف امكانيات هذا المشفى اجبرنا على تزوير الحقائق واتهام "الجيش الحر" بقنص الطفلة في محاولة للوصول الى مشفى حكومي والحصول على عناية طبية وعلاج من نوع ما، بقاء الطفلة بضعت اشهر بالمشفى دون أي تقدم لحالتها الصحية ودون اجراء اي عملية جراحية لاستخراج الطلقة من جسدها؛ اجبرنا على البحث عن بديل، فكانت فكرة
مغادرة سوريا والتوجه الى لبنان في محاولة ثالثة للبحث عن علاج" كما قال والد "ماريا".
منظمات المجتمع المدني وبعض الجمعيات الخيرية ساعدت على بقاء العائلة في لبنان لثلاث سنوات حيث كانت الطفلة تتلقى العناية الطبية بشكل دوري للتخفيف من مضاعفات فقدانها للشعور في القسم السفلي من جسدها.. عودة الطفلة الى المشي من جديد كان هاجس العائلة وما زال؛ خاصة بعد وصول التقارير الطبية التي أكدت استحالت استخراج الطلقة من جسد الطفلة أو وجود أي امل بعودة الطفلة للمشي ولو بمساعدة عكازين.
عبر برنامج (الممر الآمن) "corriduio umanitario" كانت ايطاليا المحطة الرابعة من رحلت الهجرة والامل لعائلة "ماريا"، إلا ان الحلم بدأ بالتلاشي بعد أيام من وصول العائلة الاراضي الايطالية.. فعلى سبيل المثال لا الحصر: وجود حصى في كلى الطفلة والتهابات بالمجاري البولية وهبوط بالقدمين والتي من الممكن أن تصل بالطفلة الى مراحلة خطرة "بحكم أن الطفلة فاقدة للإحساس من السرة الى الاطراف السفلية"؛ لم تحظى بالاهتمام الطبي المرجو، فكيف سيكون الحال بخصوص حلم المشي واعادة الاحساس الى الجسد الصغير؟ بحسب قول والد الطفلة.
بطئ سير الاجراءات الطبية أجبرت العائلة على خوض غمار رحلة هجرة غير شرعية الى ألمانيا كما قالت العائلة وأكده الوسيط الثقافي المرافق للعائلة، بعد أن استحال أخذ شهادة من طبيب/ة الطفلة في مشفى "Regina Margherita"، حيث قال الوسيط الثقافي "عدنان الفرج": "كثرة المواعيد الطبية لدى المشفى تطلب حجز موعد للطفلة بعد فترة زمنية تتجاوز الشهرين وهذا ما اثار قلق العائلة التي اختارت مغادرة ايطاليا والتوجه الى المانيا؛
حيث اعتقد أنه كان خيار خاطئ أتمنى ألا تندم العائلة على اتخاذه، بحكم انهم قد قدموا طلب اللجوء الاول في ايطاليا كأول بلد اوربي وصلوا اليه، وبحسب اتفاقية "دبلن"؛ يمكن ان تعاد العائلة
الى ايطاليا، وقتها تكون العائلة قد اضاعت فترة من الزمن ليست بالقصيرة وسيتطلب بدء علاج "ماريا" المزيد والمزيد من الوقت.
القليل من التفاؤل دخل قلب العائلة بعد وصولها المانيا والبدء بجلسات علاج يومية للطفلة بدءً بجلسات علاج نفسية وليس انتهاء بعلاج فيزيائي لقدميها الصغيرتين هي اخر الاخبار الواردة من عائلة "ماريا" في ألمانيا، فهل تكون ألمانيا المطاف الاخير؟
قصة الطفلة "ماريا" واحدة من بين آلاف القصص عن "الاطفال الضحايا" للحرب السورية وكنتيجة طبيعية لتقارب أو تضارب المصالح الدولية والاقليمية المؤثرة في هذه الحرب، فبحسب تقرير الشبكة السورية لحقوق الانسان الصادر بتاريخ 4 يوليو 2016 "فقد وصل عدد الاطفال القتلى في الحرب السورية الى 21 ألف قتيل؛ 90% منهم قتل على يد قوات النظام السوري وحلفاءه".