تخاطب معظم الصفحات الإخبارية وصفحات النشطاء على مواقع التواصل الجمهور الفلسطيني وباللغة العربية، دون التوجه للمجتمعات غير الناطقة باللغة العربية لسرد الرواية الفلسطينية
تزدحم صفحات التواصل الاجتماعي في فلسطين بالصور والأخبار ومقاطع الفيديو المتنوعة المصدر والمحتوى، والتي تتناول مختلف القصص الاجتماعية والثقافية والسياسية ذات المنشأ المحلي والعربي والعالمي.
ولعل تشابه المواضيع المنشورة بل وتطابقها في كثير من الأحيان على صفحات المواقع الإخبارية والحسابات الشخصية للنشطاء المجتمعيين في موقع "فيس بوك" على سبيل المثال، والذي وصل عدد مستخدميه بحسب دراسة أعدها "منتدى شارك الشبابي" المحلي العام المنصرم إلى أكثر من مليون و700 ألف مشترك- يشير إلى طغيان أسلوب نقل الخبر والصورة والفيديو من مصادر خارجية بالمقارنة مع الإنتاج الإخباري أو الإعلامي المحدود من هذه المواقع.
ولا يقتصر نقل المحتوى على المواقع الناشطة على مواقع التواصل بل تتعدى هذه الظاهرة لتصل إلى صحف إخبارية تقليدية تجاهد للوصول إلى رواد مواقع التواصل عبر نشر ما هو مثير من خبر سريع أو صورة أو فيديو على حساب إنتاجها لمحتوى على شكل تقارير وقصص تتناول القضايا المحلية بعمق.
وتتعدد المواضيع قيد التداول والنشر والتعليق، فمنها ما هو متعلق بسياسات الاحتلال العسكري الإسرائيلي اليومية في الأراضي الفلسطينية، وتفاعلاتها الميدانية والسياسية والإعلامية لا سيما على شبكة الإنترنت.وفي هذا الإطار كان موقع فيس بوك مثار انتقاد لقيامه بحذف عدد من صفحات نشطاء وحسابات فلسطينية بطلب من السلطات الإسرائيلية. في وقت عمدت إسرائيل إلى إنشاء فرق لمتابعة هذه الصفحات في انعكاس واضح لدخول هذه الشبكات على خط الصراع السياسي ببعده الإعلامي-المعلوماتي.
ولا يكاد يمر خبر حول الشأن الفلسطيني الداخلي، ومن ضمنه مشوار جولات المصالحة الفلسطينية الداخلية إلا وينال نصيبه من النشر والتعليق والتحليل. وإن كان هذا الاهتمام يأخذ مداه لمدة محدودة بمجرد انتهاء صلاحية موضوع النقاش والتعليق ليحتل مكانه خبراً اخرأ بمضمون أخر ليكون موضع الاهتمام الآني. وهي حالة لا يمكن استثناءها من مجمل طبيعة المحتوى المعلوماتي المتداول على مواقع التواصل والذي يتسم بسرعة انتهاء زمن كل خبر في ظل كثافة المحتوى.
ورغم انتشار أخبار المعمورة يومياً على صفحات التواصل الفلسطينية إلا أن المحتوى ذا الطابع المحلي ولا سيما الثقافي له حصته أيضاً، وهو امر يحسب لإعلام الإنترنت الجديد الذي أسهم في عملية تدويل صور رموز التراث الفلسطيني ومن ضمنه صور اللباس التقليدي ورقصات الدبكة الشعبية، إلى جانب صور موسم قطاف الزيتون الذي يحمل طابعاً فلسطينياً بحتاً.
وضمن إسهاماتها في تجاوز الدور التقليدي للصحف التي طالما لعبت دور أ مركزيا في التواصل بين المؤسسة والمجتمع حيث كانت المصدر الرئيس للمعلومة، أتاح تواجد الفلسطينيين على مواقع التواصل الفرصة للمؤسسات الرسمية وغير الرسمية إلى مخاطبة المواطن مباشرة، بل ونشط عدد منها، كلجنة المركزية للانتخابات في التواصل مع الناخب مباشرة عبر هذه صفحتها إذ تعمد إلى نشر اخر مستجدات العملية الانتخابية من تسجيل للمقترعين والإعلان عن جل الأخبار المتعلقة بالانتخابات المحلية- التي جرى وأن تم تأجيلها مؤخراً.
وباستثناء عدد من هذه المؤسسات، فان عملية توظيف وسائل الاتصال لا سيما الإنترنت وشبكات التواصل لا تزال تقتصر على التفاعل بالنشر والتعليق على المحتوى، دون أن تدرج كآليات اتصال وتفاعل بين المؤسسات المجتمعية والرسمية لتعمد على سبيل المثال إلى تخفيف العبء عن المواطن في تصريف معاملاته الرسمية اليومية، أو إلى تطوير التفاعل بين مختلف المؤسسات المحلية من أندية ومدارس وجامعات وغيرها من مؤسسات المجتمع.
وهنا يمكن النظر إلى التفاعل الواسع على صفحات موقعي فيس بوك وتوتير -وان كان الأول يحظى بالشعبية الأوسع بين الفلسطينيين- باتجاهين: شبكة للتواصل والتعبير عن الآراء ومتنفس للمواطن لا سيما فئة الشباب في ظل محدودية دور المؤسسات التقليدية التي كانت حاضنة للتفاعل الشعبي من مؤسسات طلابية وحزبية قبل عصر الإعلام السريع. كما أن هذه الحالة تعبر عن طغيان الإعلام بشكله الجديد على طبيعة الاتصال المجتمعي الداخلي، حيث لم تتمكن بعد المؤسسات المجتمعية من التأقلم معه واللحاق به وتسخيره، إلى جانب افتقار ها إلى القدرة على استيعاب أن وسائل الإعلام بمختلف أشكالها أصبحت تنخرط في مختلف مفاصل التواصل الإنساني المعاصر ولم تعد فقط وسيلة للتواصل مع الجمهور. كما يمكن النظر إلى هذا الطغيان الإعلامي كنتيجة للترهل الحزبي وعزوف الشباب عن المؤسسة التقليدية - وان كان هذا الموضوع بحاجة لبحث ودراسة أعمق-
ورغم أن القضية الوطنية طالما أخذت بعدا إعلاميا محليا وعربيا ودوليا، فان الجهد الفلسطيني في النشر وإنتاج المعلومة ينصب على المستوى المحلي، إذ تخاطب معظم الصفحات الإخبارية وصفحات النشطاء على مواقع التواصل الجمهور الفلسطيني وباللغة العربية، دون التوجه للمجتمعات غير الناطقة باللغة العربية لسرد الرواية الفلسطينية.
وان كانت مجموعات التضامن مع الشعب الفلسطيني التي تنشط في آسيا وأوروبا وأمريكا تقوم بدور فاعل في مخاطبة مواطنيها حول ما يجري في فلسطين، لا تزال هناك حلقة مفقودة في التواصل بين الناشطين الفلسطينيين على شبكات التواصل القريبين من الحدث الفلسطيني وجمهور الشباب في المحيط العربي والعالمي- وهي فجوة يمكن لعالم الإنترنت الجديد أن يسهم في وصلها.