بعد ٩ سنوات على بدء الربيع العربي، وبعد الحالة الصحية التي وصل إليها الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، البرلمان الجزائري يعدل الدستور لترشيح رئيس لا يقوى على مخاطبة شعبه. ولكن الشعب داق ذرعاً.
أثار إعلان ترشيح الرئيس الجزائري الحالي، عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة، ردودا شعبية ساخطة، تجسدت في احتجاجات يوم الجمعة 22 فبراير. حيث نزل الناس بالملايين، في جميع محافظات البلاد، والتي يتوقع أن تتحول إلى احتجاجات أسبوعية متكررة، ورفعوا مطالب رافضة للعهدة الخامسة، وأخرى ضد النظام الحاكم برمته. وهنا يأتي السؤال الأهم: ما هي السيناريوهات المُحتملة لتعامل السلطة تجاه هذه المطالب وكيف ستستجيب لها؟
بوتفليقة لعهدة خامسة!
يُصّر انصار بوتفليقة على ترشيحه للانتخابات الرئاسية، رغم تصاعد الاحتجاجات. وترشيحِه عملياً يعني غلق العملية السياسية، وحسم نتائج الانتخابات مسبقًا، باعتباره مرشّح السلطة، المدعوم من قبل قيادة الجيش ورجال الأعمال ووسائل الإعلام والمؤسسة الأمنية والنقابات، ومنظمات المجتمع المدني وكل الأحزاب الموالية. وخاصة إذا لم يتم التوافق على مرشح آخر يضمن مصالح جميع المذكورين أعلاه.
وفي ظل وجود مرشحين آخرين، يساهمون في رسم مشهد «العرس الانتخابي» ليوحي بوجود من التعددية؛ في محاولة بائسة لإقناع الرأي العام بالمشاركة في الانتخابات، بحجة أن النظام صادق هذه المرة في نوايا التغيير؛ الأمر الذي يزيد احتمال لجوء قوات الأمن لاستعمال العنف ضد المتظاهرين، بصفتهم مخرّبين للعملية الديمقراطية، وعبر اختراق مظاهراتهم وإفساد سلميّتها، وبالتالي تراجع وتيرة الاحتجاجات إلى حد الهدوء والقبول بالأمر الواقع.
لكن النظام السياسي الحاكم أذكى من أن يورط نفسه في مزيد من المتاعب، فقد يضحي بالعهدة الخامسة من كي لا يفرّط في الحكم، خاصة في ظل ارتباك الخطاب الرسمي الذي لم يلمّح لاستخدام القوة، حتى الآن. وهذا قد يؤدي إلى السيناريو الثاني والأرجح.
قد يخرجون إلى الرأي العام برواية أنه تعذّر عليه الترشح بعد نصيحة أطبائه.
استمرار المظاهرات حتى انسحاب بوتفليقة!
ما يعزز فرضية استمرار المظاهرات، هو ارتباك خطاب السلطة تجاهها، إذ أصبح رئيس الحكومة، أحمد أويحيى، وبعد يوم ٢٢ فبراير، يتحدّث عن الحق الدستوري للجزائريين في التظاهر السلمي؛ وهو الذي كان يهدد، بداية الشهر ذاته، بقمع أيّ تظاهرات رافضة لترشح بوتفليقة.
لم تعد الجماهير تقتنع بمزاعم الاستقرار والمصالحة الوطنية، من أجل الاستمرار في الحكم، لم تعد ترهبها تهديدات عودة الإرهاب والمآل المشابه لسورية وليبيا وفزّاعة المؤامرة الصهيونية والأيادي الخارجية التي تتربص بالبلاد لزعزعة استقرارها ونهب ثرواتها.
لقد بات مرض بوتفليقة وتراجع قدراته الصحية ملحوظا للجميع، ولم يعد أكثر من انه مجرد واجهة تخفي المستفيدين خلفها. وأصبح لزاماً على أصحاب المصالح اختيار خليفة له لإنقاذ ما تبقى من هيبة الدولة. سحب بوتفليقة من المشهد قد يخلّص النظام من حرج التصدي للاحتجاجات؛ التي لن تراجع عن مطالبها، بعد أن كسر الشعب جدار الصمت والخوف، لكي يصرخ بقوة "٢٠ سنة بركات" (٢٠ سنة تكفي)، وتحرق وتمزق صور بوتفليقة في الشارع.
إن تزايد الضغوط الشعبية على السلطة قد يضطرها لسحب ترشيح بوتفليقة حفاظاً على النظام. ولحفظ ماء الوجه، قد يخرجون إلى الرأي برواية أنه يتعذر عليه الترشح من جديد بعد أن نصحه أطبائه، في جنيف، بالخلود للراحة التامة. ولكن في حال حدث ذلك، فهذا يعني ان أصحاب المصالح قد اختاروا مرشحهم التوافقي، وقد بدأوا بالترويج له عبر الإعلام الرسمي والإعلام الخاص الموالي وبمساعدة باقي الأحزاب والمنظمات الموالية.
الإصرار على تغيير النظام!
صحيح أن الشارع لن يقبل بأقل من سحب ترشح بوتفليقة للعهدة الخامسة، لكن شعارات المحتجين لم تقتصر على رفض العهدة الخامسة فحسب. المتظاهرون هتفوا بشعارات ضد النظام الجزائري ككل، وأصروا على التظاهر من أجل تغيير النظام الذي وصفوه بأنه "نظام قاتل"، مرددين أن "الدولة دولتنا، وتغيير النظام هدفنا" و "لا للعهدة الخامسة، نعم لرحيل النظام".
نعم لقد أُرهق الناس من تغيير الواجهة والنظام مازال نفسه لم يتغيّر. أيقن الشعب أن خلف هذا الرئيس، تقبع مجموعة كبيرة من المنتفعين، بينهم قادة الجيش وأصحاب المال الفاسد وأحزاب السلطة وإعلام مسيّر.
زيادة الضغط الشعبي وصمود الاحتجاجات التي انضم إليها المحامون والطلبة الجامعيون وإعلاميون، قد يؤدي ليس فقط لإلغاء العهدة الخامسة، لكن لتأجيل الانتخابات الرئاسية والتأسيس لمرحلة انتقالية تستدعي إصلاحات عميقة. تبدأ بإصلاح الدستور، الذي يمنح الرئيس صلاحيات إمبراطورية، وتحييد أجهزة الأمن والجيش الذي بات يتدخل في السياسة وتعيين وإقالة الرؤساء منذ الاستقلال، وحل البرلمان العاجز عن إقالة الرئيس العاجز، وحل الأحزاب الموالية التي تحولت إلى لجان مساندة مشروعها الوحيد الترويج لسياسات الرئيس، وإصلاح القضاء المسيس الذي كرس سياسة "اللا عقاب"، ومحاسبة الولاءات الفاسدة في مختلف القطاعات.
ولكن هذا السيناريو مثالي جداً لكي يتحقق.