تحدث منسق الموسيقى الليبي ومضيف أطول برنامج إذاعي في طرابلس سليم كيم (DJ Slim Kim) إلى زينيت حول خطورة موسيقى الراب في عهد القذافي وعن إذاعة راديو زون (Radio Zone) الرائدة وعن قوّة الموسيقى.
متى دخلت إلى عالم الموسيقى؟
أبلغ من العمر 23 عاما وأغني منذ عام 2003. أيام المراهقة تأثرت كثيرا بمغني الراب كـTech N9ne وEminem لكن فرقة Bone Thugs-N-Harmony كانت المفضلة لدي خاصة أغنية Crossroads. لم يكن بالإمكان العثور على هذه الأسطوانات في التسعينات. تعلّمت منهم كيف يتدفّق الكلام وكيف أغني. كنت أكتب موسيقى عني وعن أصدقائي والمشاكل التي كنا نواجهها كمراهقين مثل الأصدقاء المزيفين. ثمّ سجلت أول ألبوم لي في المدرسة الثانوية عام 2003 مع صديقيّ Young C.J. وSlim Bone. كان من النادر أن يقوم أحد بتسجيل شيء من هذا القبيل في ذلك الوقت في ليبيا. قمنا بتسجيل الأغاني بميكروفون عادي وشاركناها مع جيراننا وأصدقائنا في المدارس، حيث لم يكن هناك يوتيوب أو فيسبوك في ذلك الوقت. بعد ذلك، قمنا بنشر الموسيقى تحت القسم الليبي على موقع الانترنت الخليجي "منتدى راب" لكي يتمكّن الناس من الاستماع إلى موسيقتنا.
هل كان تسجيل الموسيقى خطيرا في ليبيا في ذلك الوقت؟
في تلك الأيام، كان الجميع يخاف حتى من ذكر اسم القذافي. كان لديه الكثير من المخبرين في ما يسمى "اللجان الثورية" وكانوا متواجدين في كل مكان. لهذا السبب، صمد النظام على مدى 42 سنة. يقوم النظام بإلقاء القبض على كلّ من يتحدث عن القذافي أو في السياسة على الفور. كنت أنا وصديقي Slim Bone مهووسين بنظريات المؤامرة، فكتبنا بضع أغاني حول مستقبل ليبيا وكيف ستتعرض للدمار في الحروب. كان ذلك عام 2008. اقترح صديقي أن نغيّر أصواتنا لكي نتمكن من نشر الأغاني. لم أوافق لأني كنت خائفا فقمنا بحذفها. قبل عام 2011، كان البلد آمنا ومن أغنى الدول الإفريقية، لكن لم يكن بالإمكان التحدث عن ذلك بحرية. لم يكن مسموحا لنا كليبيّين بالحديث عن شوؤن البلاد، عن الحقيقة. لم يكن الحال كما في تونس أو في أوروبا حيث يمكنك أن تغني عن أنجيلا ميركل حتى ينقطع نفسك دون أن يزعجك أحد.
لماذا كان يسمح لبعض الموسيقيين فقط بالغناء في عهد القذافي؟
كان القذافي يدعم بعض الفنانين المعروفين الذين لم يكونوا مشهورين في ذلك الوقت مثل المطربة اللبنانية جوليا بطرس وفنانين سوريين مثل أمل عرفة وأصالة نصري وتونسيين مثل دركة وسوسن الهمامي. بدأ هؤلاء مسيرتهم بأغاني فولكلورية ليبية وغنوا للانتفاضة في فلسطين. قام القذافي بدعمهم من خلال تنظيم مهرجانات للموسيقى الافريقية والعربية إذ أنه حرص منذ السبعينات على ربط صورته بفكرة الثورة. في المقابل، قام بحظر باقي أنواع الموسيقى والفنّ.
ما هي Radio Zone؟
في عهد القذافي، لم تكن هناك محطات إذاعية. كانت "راديو زون" إحدى المحطتين اللتين بدأتا بالبث بعد اندلاع الثورة أوائل عام 2012. قامت مجموعة من عشرة شبان بتأسيس المحطة دون امتلاكهم أي خبرة في ذلك المجال، لكنهم كانوا يتشاركون الشغف نفسه في الموسيقى. تولى الجميع القيام بالقليل من كل شيء، من الانتاج ودمج الأغاني إلى تقديم البرامج. كما شارك معنا فنانون ليبيون كثر من خارج البلاد كـKhaled M وادريسي، بالإضافة إلى مواهب محلية كالمنتج Big Seno وMC Swat. يعجبني MC Swat كثيرا، خاصة أغنية "أصلك ليبي" التي تتناول الانتخابات في ليبيا، يعجبني انسياب الموسيقى وأسلوبه وقوّة كلماته. كسرت Radio Zone القواعد الإعلامية. فنحن لم نتحدث كغيرنا من المذيعين بل تحدثنا بلغتنا العامية ما ميّزنا عن الآخرين وجعل التواصل مع جمهورنا أسهل.
ما البرنامج الذي كنت تقدمه على راديو زون في ليبيا؟
كان برنامجي "على الهواء" يبثّ على راديو زون مرتين في الأسبوع، الثلاثاء والخميس ابتداء من الساعة التاسعة ويدوم لثلاث أو أربع ساعات. إنّه أطول برنامج في طرابلس! كانت الموسيقى بالانكليزية ممنوعة في أيام القذافي. كان يسمح بالموسيقى العربية فقط. لذلك، خلال البرنامج كنت أضع الموسيقى الانكليزية والفرنسية والروسية دون الموسيقى العربية. لم تعرف العاصمة والبلاد شيئا من هذا القبيل من قبل. كانت لدي فكرة جلب الموسيقى الغربية إلى ليبيا كالموسيقى الالكترونية والهيب هوب. كان يمكن للناس طلب الأغاني بواسطة الرسائل القصيرة. كانت لدي فقرة مدتها 30 دقيقة حيث يمكن للناس الاتصال والتحدث عن الموسيقى. لم نتحدث سوى عن ذلك. كان ذلك يعجب الكثير من الناس. كان المستمعون يخبروني أنّ برنامجي مميّز ومختلف عمّا تبثه المحطات الأخرى.
ماذا فعلت عندما أقفلت راديو زون؟
أعتبر نفسي ولدت في راديو زون. إنّها الإذاعة التي بدأت فيها مسيرتي ولا تزال المفضلة لدي حتى اليوم. واجهت المحطة مشاكل وصعوبات بعد تدمير مطار طرابلس على يد الفصائل المتقاتلة عام 2014، لتعود وتقفل عام 2015 بسبب عطل في الهوائي، ربما تم تعطيله بشكل متعمد. بعد ذلك، قدّمت نسخة أخرى من برنامجي بعنوان In the Mix على وعد FM وLibya Sport FM، وكلاهما لا يزالان على الهواء. أما بالنسبة إلي، فقد توقّف كل شيء الآن. حاولت أن أذيع برنامجي من برلين إلى طرابلس بواسطة كمبيوتر وميكروفون أو حتى أن أسجّل برنامجي الموسيقي هنا كل خميس وأرسله، لكن الراديو الذي تواصلت معه في ليبيا لم يبدو مهتما. لو كنت في ليبيا اليوم، لما استطعت تقديم البرنامج بسبب الأوضاع الراهنة. كيف لي أن أكون سعيدا والناس يموتون في طرابلس وضواحيها؟
لماذا أتيت إلى برلين؟
اضطررت إلى مغادرة ليبيا في عام 2017 لأنني تلقيت تهديدات مجهولة المصدر بعد أن قلت أن البلاد غير آمنة وتعمها الفوضى خلال إحدى الحلقات الإذاعية الرمضانية الخاصة. أنا واحد من العديد من الموسيقيين الليبيين الذين اضطروا إلى مغادرة البلاد مثل MC Swat الذي اضطر للفرار أيضا. جسدي موجود في برلين، لكن قلبي في ليبيا. هناك عائلتي وأصدقائي. أفكر فيهم كل يوم وأتساءل ما الذي سيحدث. أتلقى أخبار ناس يموتون كل يوم. لقد مات كثيرون من الذين أعرفهم في هذه الحرب.
كيف هو مشهد الهيب هوب في ليبيا؟
بعد عام 2011، انتشرت موسيقى الراب في ليبيا. قبل ذلك، كانت موسيقى الراب محصورة بعدد قليل من الفنانين مثل Double Zero وG.A.B الذي بدأ مسيرته في منتصف عام 2000. لكن عدد من مغني الراب ظهروا بعد الثورة لم يشعروا أنهم كانوا يتمتعون بحرية التعبير في عهد القذافي. بدأ الفنانون مثل Adamy Izzy وMC Mego وVolcano بإنتاج موسيقى وتناول المشاكل الاجتماعية. هذا إلى جانب موسيقى الغيتار والموسيقى الشعبية (pop music). أعتقد أنّ عدد الفنانين زاد بنسبة 70% بعد 2011. ظهر الفنانون في كل مكان في طرابلس وبنغازي ومصراته. كانت الثورة ثورة في الموسيقى أيضا. كما تمّ إنشاء شركات إنتاج جديدة كشركة لؤلؤ التي يديرها كل من نبيل شيباني وعلي عبار. من الصعب جدا على الناس الاستماع إلى الموسيقى في الوقت الراهن، لكن مغنّي الراب لديهم الكثير من المواد التي يمكنهم تناولها في أغانيهم. أعتقد أن الموسيقى ستستمر على الرغم من الوضع السيء.
هل هناك فرق معيّنة تستخدم الراب لتوجيه رسائل سياسية؟
ليس الأمر كذلك. فمغنّي الراب في بنغازي ليسوا ضد مغنّي الراب في طرابلس. ليس الأمر قبليا. ليس لدينا أغاني إسلامية متشددة أو شيء من هذا القبيل. الراب بحد ذاته سياسي. على سبيل المثال، تتحدث أغاني Bad Boy كثيرا عن الوضع السياسي. في إحدى أغانيه من عام 2014 اسمها "فوضى"، يتحدث عما حدث في ليبيا على الصعيد السياسي منذ تدمير مطار طرابلس. كان الجميع في ليبيا يستمع إلى هذه الأغنية. أعتقد أنه من الجيد أن نؤلف أغنية جديدة معا وننسى مشاكلنا ونكون يدا واحدة. أمر كهذا من شأنه إراحة الناس إلى حدّ ما.