هل اسقطت تركيا الثورة السورية في الشمال الغربي؟

على الرغم من أن ادلب تعتبر المحافظة الاكثر إمكانية والاوفر حظاً في فتح معركة في الساحل السوري وقلب موازين القوى لصالح قوات المعارضة؛ فما دلالات هذه العمليات وما هي دوافع نظام الاسد وحلفائه لايصال هذه النخب الى أقرب واهم خط جبهة في الحرب السورية.

نهاية شهر كانون الاول/ ديسمبر 2015 وصل عدد من مقاتلي "فتح الشام" "جبهة النصرة سابقا" الى محافظة ادلب قادمين من محافظة درعا جنوب سورية بحسب اتفاقية غير معلنة بين نظام الاسد وفتح الشام، كان من بين الواصلين القيادي الثاني في الجبهة "أبو ماريا القحطاني و الشرعي الاول د. سامي العريدي".

بعدها توالت المصالحات و الاتفاقيات التي تفضي الى خروج عدد من مقاتلي المعارضة تباعا من عدة مناطق سورية اغلبها كان من "الغوطة الغربية" التابعة لمحافظة ريف دمشق والتي تعتبر خاصرة النظام الاضعف في العاصمة السورية؛ والوجهة دائما "ادلب".

شهر أب/أغسطس من عام 2016 كان مخصص لنقل مقاتلي داريا، وايلول/سبتمبر لحي الوعر الحمصي، فيما شهد شهر تشرين الاول/اكتوبر خروج مقاتيلن من قدسيا والهامة في ريف دمشق، ليتبعها اتفاق اخر في ذات الشهر يقضي بخروج مقاتلي مدينة معضمية الشام الى ادلب، كما وصل عدد من مقاتلي مدينة خان الشيح الى ادلب تنفيذ لشروط اتفاقية مشابهة نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر. واخيرا وليس آخراً وصل ما يقارب 2000 شخص بين مقاتل ومدني من مدينة التل في ريف دمشق الى الشمال السوري وتحديدا ادلب بتاريخ 3/12/2016.

يمكن لاي متابع للشأن السوري والحرب الممتدة منذ ما يقارب الخمس سنوات أن يعلم علم اليقين أن ترجيح كفة الحرب لصالح المعارضة يعتمد على نقل المعركة الى معقل نظام الاسد "محافظتي الساحل"، وهذا أثبت أكثر من مرة خلال سنوات الحرب الاخيرة، كمعركة "الانفال" التي اعلن عن انطلاقها 21/3/2014 حيث استطاعت قوات المعارضة آنذاك السيطرة على كامل جبل التركمان وصولا للبحر المتوسط واغلب جبل الاكراد، مما ادى الى حالة رهيبة من الهلع والخوف لدى حاضنة نظام الاسد المتواجدة بمدينة اللاذقية وصولا لمدينة طرطوس.

ولم يكن الخوف من حسم المعركة لصالح المعارضة مقتصر على النظام وحلفاءه فقط؛ بل حتى أنه وصل قلوب البعض مما يسمى " اصدقاء الشعب سورية"، حيث بادر عدد منهم لاستخدام صلاحيته ونفوذه لايقاف هذه المعركة ومن ثم العمل على اعادة الاوضاع حيث كانت عليه من الفوضى التي تبحث عنها مصالح تلك الدول في الداخل السوري بحسب شهادات "سرية" لعدد من المقاتلين ممن شاركوا بمعركة الانفال والذين يتبعون لعدة فصائل مدعومة من تركيا ودول اخرى رفضوا الافصاح عنها لاسباب أمنية.

هل ضمنت روسيا سلامة حنجرة الاسد باتفاق دولي اقليمي دبر بليل معتم؟وعلى الرغم من نتائج تلك الجولة الكارثية على نظام الاسد وميليشياته؛ إلا ان نظام الاسد لا يزال يراهن على سلامة تلك الجبهة رغم وجود "جيش الفتح" المدجج بالاسلحة والمطعّم بنخب مقاتلين المعارضة على اختلاف توجهاتهم "اسلامية راديكالية_ اسلامية معتدلة_ جيش حر" على الجبهة الشرقية للساحل السوري والتي لا تبعد أكثر من كيلو مترات قليلة عن خزان النظام البشري واقل من ثلاثين كيلو متر (خط نار) من قاعدة حميم العسكرية "القاعدة الجوية التي تتخذ منها روسيا مركزاً لادارة عملياتها العسكرية في سوريا والواقعة بالقرب من مدينة جبلة الساحلية.رغم امتلاك المعارضة لصواريخ  "غراد" القادرة على الوصول الى عمق محمية النظام وقاعدة حميم الجوية!.فهل ضمنت روسيا سلامة حنجرة الاسد باتفاق دولي اقليمي دبر بليل معتم؟

يخطئ من يظن أن الاسد ومن خلفه الروس والايرانين بتلك الحماقة ليبدأ هو نفسه بتقوية اعدائه ببقعة جغرافية ترسم حدود ساحله

المشمس لولا حصوله على ضمانات لا يمكن التشكيك بها لضمان سلامة مستعمرته الساحلية؛ ليست فقط تلك التي اخذت من جبهة النصرة على لسان أميرها "ابو محمد الجولاني" عبر اللقاء الذي بث على حلقتين عبر قناة الجزيرة الفضائية منتصف 2015حيث قال: (مقتل النظام في دمشق وليس في القرداحة)، على الرغم أنه هو من أمر بنقل بعض أهم قادته من اطراف دمشق الى ادلب نهاية 2015 كما ذكرنا، ونقل اعداد اخرى ضمن بعض المصالحات التي تمت وستتم في ريف دمشق الغربي وأطراف العاصمة!.

ويخطئ أكثر من يظن أن تلك الضمانات هي ضمانات قصيرة المدى حصل عليها الاسد وحليفه الروسي لقاء مبلغ زهيد؛ يُعطي من خلالها الاسد بعض الامتيازات او يتنازل عن بعض المكتسبات، فغالبا ما تمت تلك الصفقة دون أن يتدخل الاسد لوضع بند واحد فيها، فتلك الصفقة عقدت بين كبار اللاعبين لتعطي لكل طرف حصة صغيرة من كعكة الشمال السوري كمرحلة اولى.

ما نشهده اليوم من احداث في الشمال السوري يوحي بأن الطرفين الاولين في هذا الاتفاق هما روسية وتركيا؛ حيث بدأت ملامح بنود هذا الاتفاق تطفوا فوق ركام حلب وآهات ساكنيها.

فيمكن لاي منا ملاحظة سكوت تام لحليف الثورة الاول "تركيا" عن الجرائم الروسية الاسدية بحق المدنيين في حلب، بل حتى أن تركيا تلعب هذه الايام دور الوسيط بين "جنرالات روسية وممثلين عن المعارضة المسلحة داخل مدينة حلب" في مدينة انقرة التركية!

في المقابل كان سكوت روسيا عن الغارات الجوية التي ضربت قريتي نبل والزهراء المواليتين واستهداف ميليشيات مقربة من ايران في خناصر ومخازن "بيفات" جنوب حلب والتي غالبا هي غارات تركية (بعد تصريح لرئيس الوزراء التركي "بن علي يلدرم" أكد به على ان تركيا سترد على الهجوم الذي اودى بحياة ثلاث عساكر اتراك من المشاركين بمعركة "درع الفرات" شمال حلب)، حيث اكتفت قاعدة حميم باصدار بيان اشارت فيه على انها لم تحصل على الاذن لكشف هوية الطائرات التي استهدفت البلدتين بثماني غارات وتابع البيان:(رصدت الطائرات عبر منظمات الدفاع الجوي ولكن لم نتلقى أي أمر عسكري بالتعامل معها من القيادة العسكرية في موسكو) بحسب موقع هاشتاغ سيريا الموالي لنظام الاسد.

فسقوط حلب عسكريا أو سياسيا "اتفاق بخروج مقاتلي المعارضة بحسب رغبة موسكو" لصالح النظام يقابله اسقاط الكنتون الكردي لصالح جيش اردوغان، والبدء بأنشاء منطقة امنة شمال حلب بحماية تركية يقابله ضمان تركي لتجميد جبهة الساحل بدعم روسي في الحالات الطارئة والاستثنائية، "الدعم الروسي يضمن حماية القرى التركمانية في جبال الساحل من قوات النظام وميليشياته" رغم أن ضمان سلامة تلك الجبهة لا يستدعي إلا موافقة تركيا الآمر الاول والاوحد لفصائل المعارضة في الشمال السوري عامة وادلب بشكل خاص، فلا صوت يعلوا فوق صوت تركيا هناك.

وعليه تسعى تركيا جاهدة الى ضم الفصائل الوافدة من مناطق مختلفة الى ادلب لكوكبة الفصائل "المبايعة" للمخابرات التركية بشكل علني أو سري لضمان سير بنود الاتفاق "المفترض" بشكل سليم وسلس عبر سياسة الدعم العسكري المشروط؛ كما حدث مع لواء "شهداء الاسلام" الذي استلم بعض الاسلحة والمعدات العسكرية من تركيا منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر قبل أن تصادر "فتح الشام" تلك المعدات وتعتقل عدد من افراد اللواء فور دخولها الاراضي السوري.او عن طريق تجميد عمل تلك الفصائل بشكل منفرد من خلال اجبارهم على الاندماج بجسم عسكري يتبع لاحد مكونات "جيش الفتح" ولبس مستبعداً أن تتم تصفية بعض القادة او المقاتلين الحالمين بفتح معركة بجبهة الساحل دون الرجوع الى اصحاب القرار في هذا الشأن، لذلك لن تترد تركيا أبدا في استخدام القوة ضد من يحاول التمرد و الاضرار بتنفيذ شروط الاتفاق "المفترض".