الزمن اللازم للقراءة: 4 دقيقة
اغتيال الكاتب ناهض حتر

قتل بسبب رسم كاريكاتير

مقالة خاصة
المشاركون في الحداد يكرمون حياة ناهض حتر
المشاركون في الحداد يكرمون حياة ناهض حتر المصور: دانيلا كونيغ لمجلة زينيت

اغتيال الكاتب المسيحي ناهض حتر في أيلول/ سبتمبر ٢٠١٦ أشعل شرارة ردود أفعال حادة في المجتمع الأردني وسلط الضوء على تأثير الإسلام المتطرف ومحيط الأردن الغير مستقر في سوريا والعراق.

"هل تتذكر الكاتب الذي أخبرتني عنه والذي كان موضوع خطبة الجمعة الماضية؟" سألت مترجمي محمد في حين لم أستطع ابعاد نظري عن شاشة الهاتف. بينما كان يقود سيارته الصغيرة في واحد من الشوارع الضيقة للعاصمة عمان، قمت بإخباره: "لقد قُتل هذا الصباح".

 

أوقف محمد سيارته بسرعة متشبثاً بمقود السيارة. "ماذا؟!".

 

أنا ومحمد لدينا صديق مشترك، شخص من أقرباء الكاتب ناهض حتر، هو من أخبرنا باغتياله. في مساء ذلك اليوم المشؤوم الذي حل على الأردن قام الناس بإشعال الشموع تكريماً لروح الكاتب المغدور.

 

في آب ٢٠١٦، نشر حتر رسم كاريكاتير على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، كانت رسمة كاريكاتير ناقدة لمفهوم داعش عن الله، الشيء الذي قد يعرضه للاعتقال وفقاً للقانون الأردني بتهمة ازدراء الأديان، ولكنه لقي حتفه برصاص أحد الجهاديين يوم الأحد، ٢٥ أيلول أمام القصر العدلي بعد جلسة محاكمته بسبب الكاريكاتير.

 

تفكك كبير في أجهزة الأمن والعدالة

 

"لتاريخ اليوم، ظل أخي مؤمناً بحكومتنا. وكان يقول دائما: لن يحدث شيء لأننا نعيش في بلد فيه عدالة." قالت أخت ناهض، كوكب حتر، بصوت مختنق تحت دموعها، بعد ساعات قليلة من وفاته. "هذا أخي من لحمي ودمي."  لم تكن قادرة أن تستوعب كيف أن الحكومة الأردنية تصدر قراراً باعتقال أخيها، والأردن متحالفة مع ٦٤ دولة أخرى لمحاربة داعش.

 

ما بدأ كتجمع وديّ وتعاطفي ما لبث أن تحول إلى تجمع سياسي
ما بدأ كتجمع وديّ وتعاطفي ما لبث أن تحول إلى تجمع سياسي المصور: دانيلا كونيغ لمجلة زينيت

 

بينما تعتبر الأردن البلد الأكثر استقراراً بين دول المنطقة، يزداد تأثير الإسلاميين على البرلمان الأردني. ناشطة اردنية بين الحاضرين في جنازة "حتر" تشير إلى أزمة التطرف المتفاقمة. "نحن من أعطينا المجال للإسلاميين لنشر أفكارهم وذلك لخوفنا أن نُتهم بأننا معادين للإسلام"، قالت الناشطة، وهذا ما يفسر قدرتهم على تأسيس أحزاب ذات تأثير. اليوم، تجتمع هي ومجموعة معها في مظاهرة غضب مطالبين بدولة علمانية تتمتع بحكم محايد. حسب تقديرهم، ما حدث مع ناهض حتر يشير إلى تفكك في أجهزة الأمن والعدالة.

 

برلمان متداعي؟!

 

في انتخابات البرلمان الأردني الذي جرى في ٢٠ أيلول/ سبتمبر حظيت جبهة العمل الإسلامي، الفرع السياسي للإخوان المسلمين، ب ١٦ مقعد من أصل ١٣٠ وهي أكبر حزب معارض. الاقبال الضعيف للناخبين كان العامل الذي ساهم في ظهورهم، حيث اقبل على التصويت ٣٧٪ فقط من اجمالي الناخبين. العديد من الأردنيين يعتقدون أن البرلمان الأردني لا يستطيع ان يحدث تغيير كما انه مثقل بالفساد والمحسوبيات. (تقول الشائعات أنه في الانتخابات الماضية كان الصوت يُباع ب ٢٥٠ يورو.)

 

اغتيل بسبب رسم كريكاتوري

 

بالتزامن مع المشاكل الاقتصادية العديدة التي تعاني منها الدولة من ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب وموجة اللاجئين السوريين، باتت المعارضة الإسلامية تحظى بزخم أكبر. على الرغم من اعلان الاخوان المسلمين عدم تورطهم في مقتل حتر، لكنهم لا يزالوا غير موثوق بهم. بعد كل هذا، هم الذين يسعون باستمرار لجعل قوانين "ازدراء الأديان" أكثر صرامة كما قاموا أيضاً بتحريض الشارع ضد الكاريكاتير الدنماركي الذي رسم الرسول منذ عشر سنوات.

 

على الرغم من هذا، لا يعتبر الداعمين ل"حتر" أن التعايش السلمي بين الأديان – كما تفخر الأردن - بخطر. لقد وقفوا صفاً واحداً مواسين بعضهم وهم يهتفون: "تعيش الأردن مستقلة، حرة، عربية."

 

باجتماعهم تم الاقتباس من الانجيل والقرآن وكان الجميع متاح لهم التعبير عن رأيهم.

 

من المذنب؟

 

ما بدأ كتجمع وديّ وتعاطفي ما لبث أن تحول إلى تجمع سياسي حيث اجتمع المئات من الناس أمام المحكمة، ليهتفوا ضد داعش، جبهة النصرة والسلفيين، مطالبين الحكومة بالتنحي. السؤال عن المذنب كان مجاباً عليه من قبل الحشد، على الرغم من أن حتر قد أبلغ السلطات عدة مرات عن تلقيه العديد من التهديدات بالقتل، لم تقم الحكومة بأي إجراءات لحمايته. لقد قُتل حتر بثلاث رصاصات بالرأس أمام المحكمة على مرأى عائلته والشرطة. المؤيدين لحتر أرادوا أن يُنفذ حكم الإعدام بحق الجاني، رياض عبد الله، الذي كان معروف لدى السلطات أنه متطرف وكان يقوم بالدعوة في جامعين من جوامع عمان، بين الحين والآخر.

 

الحادّون يطالبون بدولة علمانية وقضاة محايدين
الحادّون يطالبون بدولة علمانية وقضاة محايدين المصور: دانيلا كونيغ لمجلة زينيت

 

كان ضمن الحاضرين العديد من المسلمين الذين لم يؤيدوا "حتر" ولكنهم كانوا يعارضون قرار اعتقاله وبالطبع ضد اغتياله، ما عكس مدى صدمة جميع أطياف المجتمع بهذه الجريمة. وقف الياس شاهين، عضو في الحزب الشيوعي، وسط الحشد مخاطباً إياهم بمكبر الصوت. "اغتياله ليس له علاقة بالإسلام بل بالفكر الداعشي الذي تم نشره في بلدنا. نحن الأردنيون، لا نلوم الإسلام بل نلوم داعش."

 

آراء معارضة

 

بينما كانت عائلة حتر ومؤيديه يحتجون، كان على مواقع التواصل الاجتماعي العديد من المتعاطفين مع القاتل. من خلال تواصلي مع شخص من أفراد عائلة حتر، قال لي أنه كان يحب الأردن وشعبها حتى يوم موت الكاتب. بعد مقتل قريبه، أنشأ صفحة على فيسبوك تكريماً له، ولكن كان هناك الكثير من التعليقات السلبية عليها: “ليحترق المذنب في الجحيم"، "فليبارك الله القاتل"، "أي شخص يسيء إلى الرسول محمد يجب معاقبته بهذا الشكل".

 

كل هذه التعليقات المليئة بالحقد والكراهية كُتبت من أناس لا يعرفهم. العديد من التعليقات كانت من حسابات لأسماء وهمية. لكنه قال: "مع هذا فأصدقائي المسلمين اتصلوا بي ليقدموا التعازي".

عن: 
دانيلا كونيغ