بعد مرور أكثر من شهر على انتخاب ميشال عون كرئيس للجمهوريّة اللبنانية وانتهاء أزمة الشغور الرئاسي، يتأمّل اللبنانيون أن يكتمل الأمر بوضع حدّ للشلل السياسي الذي أخذ البلاد رهينة لما يقارب الثلاث سنوات.
ميشيل عون، الذي كان قائداً للجيش اللبناني في عام 1984 ثم رئيس الحكومة العسكرية في عام 1988، أُرسل إلى المنفى في 13 تشرين الأّوّل 1990. ولكنه عاد إلى لبنان عام 2005 وفي 31 تشرين الأوّل 2016 وبعد 26 عام حقق طموحه بأن انتُخِب رئيسًا للجمهوريّة وتمّ بذلك انهاء أزمة الشغور الرئاسي التي دامت 29 شهرًا. وجاء انتخاب عون بعد انعقاد المجلس النيابي (الممدّد لنفسه مرّتين) للمرة 45 دون قبل ان يكتمل النصاب الكافي لانتخاب رئيساً للجمهورية.
لكي يصل إلى مبتغاه، اضطرّ عون للتوصّل الى اتفاق مع خصمه السياسي سعد الحريري الذي تعهّد بتبني ترشيحه للرئاسة مقابل وصول الحريري إلى رئاسة مجلس الوزراء، الذي لم يتمّ الانتهاء من تشكيله حتّى الآن.
قائد الجيش الأسبق كانت أوراقه الرابحة تتمثل بدعم حزب الله له، فضلًا عن مذكّرة التفاهم مع القوّات اللبنانيّة والحصول على دعم خصمه التاريخي الدكتور سمير جعجع؛ فقد كان التيّار الوطني الحرّ قد وقّع على ما سمّي بورقة "تفاهم" مع حزب الله في عام 2006، ممّا لعب دورًا أساسيًّا في تأمين الأكثريّة النيابيّة اللازمة لترشيح عون لرئاسة الجمهوريّة وفوزه في نهاية المطاف.
إنّ وصول عون إلى سدّة الرئاسة مؤشّر على تحضير لبنان لضمه إلى ما يعرف بـ "سوريا المفيدة" قوبل هذا التوافق بكثير من الترحيب في الشارع اللبناني. وفي هذا السياق٫ يقول "أسعد جعيتاني"، المدير المالي في شركة Levant International، أنّ وصول عون إلى الرئاسة يشكّل فرصة لوضع حدّ "للفساد المستشري" في مؤسسات الدولة. يضيف جعيتاني أنّ "عون يعتبر من الرؤساء الأقوياء نظرًا للقاعدة الشعبيّة الواسعة الداعمة له بالإضافة إلى تكتّل التغيير والإصلاح المؤلّف من عشرين نائبًا في المجلس النيابي. أعتقد حقًا أنّ عون لديه القدرة على إحداث تغيير حقيقيّ".
غير أنّ الواقع على الأرض يروي قصّة مختلفة، فبعد قرابة شهر ونيّف على تولّيه السلطة، يبدو أنّ الرئيس العتيد يواجه عقبات عديدة في أوّل مهمّة موكلة إليه. فالخصوم يراوحون مكانهم رافضين تقديم أي تنازلات بشأن توزيع الحقائب الوزاريّة الأساسيّة. فقد أرسل حزب الله رسالة واضحة مفادها أنّ الحكومة لن تتشكّل دون "تيّار المردة" الذي يرأسه سليمان فرنجية الحليف المسيحي القديم – الجديد للحزب الشيعي.
بحسب إعلامي لبناني تربطه علاقة وثيقة بعون، يسعى فخامة الرئيس إلى تشكيل حكومة وحدة وطنيّة تتمثّل فيها جميع القوى السياسيّة في البلاد من خلال ربط النزاعات مع الخصوم على امتداد الوطن من أجل دفع خطته الإصلاحية إلى الواجهة؛ ثمّ أضاف: "نأمل أن تتشكّل الحكومة في القريب العاجل".
في الوقت عينه، يواجه عون تحدّيات كبيرة في ظلّ تفاقم الأزمات في المنطقة واشتداد المعارك في سوريا ومشاركة حزب الله في الحرب السورية، ناهيك عن تفاقم أزمة اللاجئين السوريّين في لبنان والمخيّمات التي باتت منتشرة في جميع أنحاء البلاد.
بالنسبة إلى الصحافي والمحلل السياسي اللبناني المقرّب من حزب الكتائب اللبنانيّة سامويل منسّى، "إنّ وصول عون إلى سدّة الرئاسة وسط التطوّرات الحاصلة في المنطقة وعلى رأسها معركة السيطرة على مدينة حلب وتداعياتها، تشكّل مؤشّر على تحضير لبنان لضمه إلى ما يعرف بـ "سوريا المفيدة" التي ستضمّ حلب ودمشق ومطارها بالإضافة إلى الساحل السوري وهي مناطق تقع تحت سيطرة النظام السوري المدعوم من حلفائه في موسكو وطهران بالإضافة إلى الميليشيات الشيعيّة وعلى رأسها حزب الله اللبنانيّ".
إلا أنّ المصدر المقرّب من الرئيس نفى هذا التحليل مؤكّدًا أنّ ذلك مجرّد تكهّن بعيد عن الواقع وقال إنّ "ميشال عون رئيسًا لبنانيًّا بامتياز. فقد حارب الجيش السوري عندما كان مسيطرًا على لبنان. لكن بعد انسحاب السوريين، حرص على صقل علاقات جديدة مع النظام السوريّ".
ومع أنّ بعض المحللين اللبنانيين يصرّون على أنّ ميشال عون رئيسًا قويًّا من شأنه إحداث تغيير حقيقيّ في البلاد، على الرغم من الصلاحيّات المحدودة الممنوحة لرئيس الجمهوريّة بموجب اتفاق الطائف، يبدو أنّ الرئيس يكثّف الجهود لإيجاد أرضيّة مشتركة لجميع الفرقاء السياسيين والنأي بلبنان عن المخاض التي تشهده المنطقة المجاورة. فالمسرحيّة السياسية التي أتت بعون رئيسًا للجمهوريّة ركيكة ومن شأنها في حال فشلت إغراق البلاد في موجة متفاقمة من الانقسامات والتصادمات.