القارئ العربي لازال يرى فكرة تواجد فنّانة سعودية شيء مرفوض داخل المملكة العربية السعودية، الأمر الذي يجذب انتباه الكثيرين، يثير فضولهم، ويدفعهم للبحث أكثر بهدف معرفة المزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع.
"فَنَّانَةٌ تَشكيليَّةٌ سُعوديّة "، كفيلةٌ هذه الكلمات الثلاث، بجذبِ اهتمامِ القارئ العربي، ودفعه ربما للبحث ومعرفة المزيد حول هذه الشخصية الفنية.
وعلى الرغم من وجود نهضة قويّة في مجال الثّقافة والفنون في المملكة العربية السعودية حالياً، وتواجد قوي لأعمال فنانين سعوديين معاصرين في مختلف المعارض الفنية العالمية، إلّا أن القارئ العربي لازال يرى فكرة تواجد فنّانة سعودية شيء مرفوض داخل المملكة العربية السعودية، الأمر الذي يجذب انتباه الكثيرين، يثير فضولهم، ويدفعهم للبحث أكثر بهدف معرفة المزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع.
وموضوعنا هذا، ليس مجرّد تغطية صَحفية عن فنانة تشكيليّة اعتيادية، وإنما عن فنّانة امتلكت الجرأة حقّاً، بتقديمها مواضيع غاية في الحساسية، ومن داخل أكثر المجتمعات المحافظة في المنطقة.
بلقيس الراشد فنّانةٌ تشكيلية من الرياض، تستخدم في إنتاج أعمالها، العديد من الأساليب الفنية، مثل الفن التركيبي، وفن الكولاج Collage، وفن الأداء Performance Art، ويقوم فن الأداء، على حالة استعراضية طقسية، تتعاون على أدائها أنواع الفنون السبعة السمعية منها والبصرية.
تشير المصادر، أن بدايات فن الأداء كانت في عام 1962 وتحديداً في ألمانيا، ومن ثم ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية، أما على صعيد الساحة الفنية العربية، فإن قلّة من الفنانين العرب من استخدموا هذا الأسلوب في إنتاج أعمالهم الفنية.
لكن مؤخراً بدأنا نلحظ تغيراً في طبيعة وشكل النشاط الفني العربي، خاصة مع تواجد فرص ذهبية في المنطقة، والتي من شأنها مساعدة الفنان العربي في بناء مهنته بشكلٍ يمكِّنُه من الوصول للعالمية، وذلك من خلال احتضان أعمال الفنانين في معارض ضخمة، مثل آرت دبي Art Dubai، ومتاحف ذات سمعة رفيعة كمتحف الفن العربي الحديث في الدوحة، ومتحف اللوفر في أبو ظبي.
تساهم الشّبكات الاجتماعية أيضاً وبشكل كبير، في تعريف الفنان بجمهوره، وتقديم فنّه لأكبر شريحة ممكنة من الناس، بالإضافة للتفاعل المباشر معهم.
الإنستجرام Instagram، وهو شبكة اجتماعية معروفة يزيد عدد مستخدميها عن 400 مليون مشارك فعّال، عادة ومن حين إلى آخر، ما يقوم تطبيق Instagram بتسليط الضوء على شريحة من مستخدميه المميزين، والتركيز على المشاركات القيّمة، والمواهب الملفتة، وذلك بغرض زيادة التفاعل وعلى نطاق واسع بين مستخدميه.
في نيسان / أبريل 2016، قام تطبيق إنستجرام، بنشر فيديو بلقيس الرّاشد وهي ترقص بالـ هولا هوب Hula Hoop مرتدية فيه النّقاب، ولطالما قدمت بلقيس هذا الأداء سابقاَ، لكن الأمر يصبح مختلفاً، عندما يقوم تطبيق انستجرام بنشره لمئات الملايين من المتابعين حول العالم، وبين ليلة وضحاها، حصلت بلقيس الراشد على متابعة وإعجاب الآلاف من مستخدمي إنستجرام وتفاعلهم، لكن ما استدعى الانتباه أكثر، هو حصولها على اتهامات وانتقادات شديدة من أبناء وبنات بلادها وجيلها.
تقول بلقيس: "من المثير للاهتمام جدّاً، أن العمل الفني الأول الذي أصدرته، حصل على انتشار كبير في غضون أيام فقط، وكانت ردود الفعل طبيعية واعتيادية، لا بل تم النّظر إليه بطريقة ترفيهية، ولكن الأمر أصبح مختلفاً تماماً عندما قام تطبيق إنستجرام بنشره تحت عنوان فنانة سعودية، هنا أصبحت القصة مختلفة، أصبح لي وجهاً، اسماً، وهوية، لم أعد مجرد أي فتاة، لقد أصبحت امرأة سعودية ترقص بالـ هولا هوب Hula Hoop وترتدي النّقاب، وبات من حق الجميع أن يقوموا بانتقادي، واتهامي بتشويه صورة المرأة السعودية بشكل خاص، والمرأة المسلمة بشكل عام."
تعتبر بلقيس، أن الأداء الفني الراقص الذي قدمته ارتقى لمرحلة الصدمة! حيث يقوم الأداء على جمع عنصرين متناقضين لم يسبق للعقل أن وضعهما معاً. وبطريقة هزلية ومرحة، يقوم العمل بتحدي الأفكار المسبقة عن الأنوثة، والهوية، والتقاليد، وما ينتج عن ذلك هو تهديد نظام كامل من المعاني والتقاليد الثقافية الدّارجة، التي مازلنا نتمسك بها، أو بما تبقى منها على الأقل.
تعدّدت الانتقادات تجاه المواد الفنية المتواجدة في صفحة بلقيس الراشد على إنستجرام، وكان من اللافت للانتباه، أن العديد من هذه الانتقادات احتوت تساؤلات عن الحافز وراء هذا العمل، حيث اعتبره الكثيرون مجرد طريقة لكسب الانتباه والشهرة، وليس عملاً فنيّاً.
تقول بلقيس: إن فن الأداء Performance Art، هو وسيلة فنيّة جديدة بالنسبة لها كفنانة شابة، حيث تقوم بمعالجة جملة من الممارسات الفنية بطريقة استكشافية، ومن خلال هذه المعالجات، تكتشف بلقيس مدى المتعة التي تُقدِّمُها هذه الوسيلة الفنية، حيث تسمح لها بخوض أدوار متعددة في مراحل انتاج العمل الفني، فهي الفنّانة من جهة، وهي أيضاً من يشارك في إنجاز هذا العمل الفني، وتغدو بشخصها، وجه العمل الفني وموضوعه في آنٍ معاً.
"ما جعلني أخوض هذه تجربة فن الأداء، هي الطريقة الحميمية في التعبير التي أعيشها كفنانة. تواجدي الكامل في لحظة معينة من الزمن، يعطيني القدرة على توسيع وتحويل تصوراتي عن الواقع."
معظم الانتقادات كانت موجهه تجاه ارتداء بلقيس للنقاب خلال أدائها الفني، حيث تَعتبر بلقيس، أنَّ النّقاب قطعة قماش مثيرة للاهتمام ومحيّرة في الوقت نفسه، وتتساءل: كيف تمكّنت قطعة قماش سوداء من عكس ُقدرتِها وعَجزْها، حَجْبِها وكَشْفِها، في ذات الوقت!
ترى بلقيس أن النِّقاب يُقدِّم شعور الحرية للمرأة، عند السماح لها بمشاركة هواياتها وشخصيتها للعالم، من دون المساس بهويتها، الهوية التي تعد العامل الأهم للعديد من نساء المجتمعات المُحافِظة في السعودية وغيرها من البلدان.
"أجد النقاب بمثابة التَّمثيل الثقافي للأنوثة، فمن خلال جمعي بين النقاب ورقص الـ هولا هوب Hula Hoop التي تعتبر لعبة أطفال، كنت قادرة على الإشارة ببراءة إلى العديد من النقاط الحساسة، التي أجد أنه بات من الضروري التفكير بها والحديث عنها. في الواقع، إنها بداية رائعة، أن تكون معظم الانتقادات والتساؤلات حول سبب ارتداء النقاب، إنها بداية سِجال من المهم جداً أن يبدأ اليوم، وربما يتبلور قريباً على شكل حوار."
تَصفُ بلقيس نفسها ككائن مرن وفي تحوّلٍ مستمر، وحساس للغاية، مما يجعلها كثيرة التأثر بالبيئة التي تحيط بها.
وفي حين لا تملك بلقيس رسالة معينة كفنانة تشكيلية، إلّا أنها تأمل من خلال مساهماتها، أن تدفع المشاهد للتفكير، ولإلهامه بتحولات طويلة الأمد، وتقزيم الخلافات التي خلقناها بأيدينا على هذه الأرض.
بلقيس الراشد في نظر البعض تمثل كل فتاة سجينة، وكل فتاة حرّة ترتدي النِّقاب، أمّا وحسب وجهة نظرها، تقول بلقيس أنها لا تمثل أحد، بل تمثّل نفسها فقط، ولكن ما لا تعرفه بلقيس أن تساؤلاتها وتحدياتها لبيئتها المحافظة، هو أحد أسباب خلق جيل مستقبلي من فتيات سعوديات وعربيات لا يَخفن من المسائلة والانتقاد، وتكريس تقبل الرأي والرأي الآخر.