الزمن اللازم للقراءة: 4 دقيقة
صناعة ثقافة تصميم الأزياء

تصميم الأزياء في الشرق الأوسط، ربما يكون حكاية النجاح القادمة

مقالة خاصة
من مجموعة المصمم رامي قاضي الأخيرة "الوقوف في ظل امرءة"
من مجموعة المصمم رامي قاضي الأخيرة "الوقوف في ظل امرءة" المصدر: رامي قاضي

لطالما ارتبط تصميم الأزياء بالرفاهية في منطقة الشرق الأوسط، إلّا أنّ مجموعة جديدة من مصممي الأزياء غيرت هذا الاعتقاد، من خلال تحويل الماركات الغربية إلى ماركات محلّية حديثة مُستوحاة من الجماليّات والأقمشة المحلّية.

أبدع العديد من المصممين الشباب، تصميمات حديثة بأسلوب جديد، يحمل عراقة التراث المحلّي، منهم المصمم رامي قاضي في تصميم "في ظل المرأة"، والتصاميم المعاصرة للمصمِّمة السعودية مشاعل الراجحي، وأيضاً ماركة "نوريتامي" من تل أبيب التي تعطي في أسلوبها معنىً جديد للمجوهرات الفاخرة، والعباءات الأنيقة التي صممتها فايزة بوقصة حيث تجمع فيها الذوق التقليديّ بالمعاصر، وأيضاً ماركة الأزياء "كالمار " لـ كارن رويمي التي تعكس صورة المغرب المعاصرة.

من تصاميم المصممة السعودية مشاعل الراجحي للرجال
من تصاميم المصممة السعودية مشاعل الراجحي للرجال المصدر: مشاعل الراجحي

 

رامي قاضي مصمم حالم، يقول المصمم الأمريكي من أصل لبناني، بأن الإلهام لتصاميمه غالباً ما يأتيه عندما يكون نائماً. في تصميماته الأخيرة، "في ظلّ المرأة"، حلم قاضي بثلاث شخصيات أنثوية: الأولى تتمثل بالمرأة المحاربة، التي "تناضل من أجل حقوقها وحرّيّتها"، والثانية تعكس صورة المرأة المثيرة والذكيّة والتي تتمتع بحس التسوق، وأما الثالثة فهي المرأة البريئة.

 

حقيقة الأمر أنّ "قاضي" يعشق المرأة بطريقته الخاصة، فهو يجمع في تصاميمه المثيرة ما بين الجلد الأسود، والسليكون مع الأقمشة المطرزة والأزهار، فتنساب التصاميم الغنية مرحةً فرحة في خيارات الأقمشة، ويرى قاضي أنّ الميّزة الأساسية لأي مصمّم تكمن في قدرته على إضفاء لمسة جمال وأناقة غير مصطنعين على الجسم.

 

استقطب قاضي، الذي صار محبوب المشاهير، الكثير من المعجبين من جميع أنحاء العالم، فهو الذي أَلبس أيقوناته الأنيقة للفنانة الإماراتية "أحلام"، ولعارضة الأزياء "ديتا فون تيسي". تعكس شعبية قاضي المتصاعدة، الاهتمام المتزايد للمشاهير العرب بالمصممين الشباب المحليّين، الذين يمزجون الجماليات التقليدية بالتمايلات العصرية الرائعة.

 

كما تشمل هذه الموجة من الطاقة الإبداعية التي تكتسح المنطقة، مبادرات ملهمة كالإطلاق الرقمي لمجلة فوغ (Vogue) بحلّتها العربية، ورعاة منصّة "فاشن فورورد (FFWD) "وأسبوع الموضة العربية بالإضافة إلى إطلاق، للمرة الأولى، النسخة العربية للبرنامج الأمريكي الشهير "Project Runway" الذي سيطلقه تلفزيون الواقع والذي سيظهر فيه "إيلي صعب"، وهو أحد أساتذة قاضي، كحكم ومنتج، ويبّشر ذلك كله بقفزة للأمام يحرزها الشرق الأوسط في ميدان الموضة، بتحوله من قاعدة إستهلاك إلى منصة مدهشة للإبداع.

 

تصاميم نوريتامي، الشركة التي مقرها تل ابيب، تجمع في تصميم المجوهرات بين الموضة و الهندسة المعمارية
تصاميم نوريتامي، الشركة التي مقرها تل ابيب، تجمع في تصميم المجوهرات بين الموضة و الهندسة المعمارية المصدر: نوريتامي

ويوافق "بونغ غيريرو"، المؤسس الشريك والرئيس التنفيذي لـ فاشن فورورود FFWD على ذلك، مضيفاً أنه على الرغم من أنّ الشّرق الأوسط "مشهور باهتمامه بالماركات"، وميل كبار تجار التجزئة فيه إلى تخزين الماركات العالميّة، إلّا أنّ وكلاء المشتريات الإقليميين يفكرون على نحو متزايد في إدخال تصاميم المواهب المحلية إلى متاجرهم، ويعتبر "غيريرو" أنّ المستهلكين باتوا يبحثون عن متاجر وسلع صغيرة فردية.

مصممة أخرى أثارت اهتمام العالم بتصاميمها، المصممة السعودية مشاعل الراجحي، والتي تعتبر نجمة صاعدة أخرى في عالم الموضة،والتي اجتازت الحدود بمقارباتها وباختياراتها المميزة. وتُعتبر الراجحي أول امرأة تصمّم ملابس عصريّة للرجال في المملكة، وماركتها "مشاعل " جذّابة وعصرية، تجمع التقليدي بالمعاصر. تشرح الراجحي، أنّ ماركة مشاعل تهدف إلى تصوير العنصر الإنساني في تصميم الأزياء، تقول الراجحي: "عندما يتجاوب الزبائن مع التصاميم، هذا يعني أنّهم يرون أنفسهم في ملابسهم، فهي تسمح لهم في نفس الوقت باكتشاف نوع آخر من التعبير اللباسيّ غير المعلّب."

 

تضفي "ألينور أفني" حيوية مماثلة لماركة المجوهرات العصرية "نوريتامي" في تل أبيب، وتصف المؤسسة الشريكة والمديرة الإبداعية للماركة الزبائن الأساسيين على أنهم مصممين وفنانين ومهندسين " يتمتعون بـ "حسّ الموضة وواثقين بأسلوبهم". تصمّم "نوريتامي" عادة قطعًا نحتيّة غايةً بالأناقة، فالتصاميم ملفتة للنظر بلا شك، إلّا أنّها معقّدة أيضاً بطريقة سرمدية.

 

مؤخّراً أطلقت "نوريتامي"، المعروفة باستخدامها للموادّ الثقيلة كالجلود والمعادن والأخشاب، ماركة مجوهرات فاخرة باسم (Toolbox) أي " صندوق العدّة “، وهي تذكّر بالأدوات اللازمة للصناعات اليدوية، هذا التناقض بين صلابة التصنيع ورهافة المنتج يعطي نتائج مدهشة.

 

على الضّفة الأخرى، تقف المصمّمة الفرنسيّة-الجزائريّة المقيمة في دولة الإمارات العربيّة، فايزة بوقصة، والتي عملت كمضيفة طيران قبل إطلاقها لعلامة تحمل اسمها عام 2014، استمدّت بوقصّة الوحي منذ طفولتها من جدّتها الخيّاطة، غير أنّها لطالما كافحت لتجد عباءات تتماشى مع أسلوبها الخاصّ، تقول بوقصّة أنّها انتقلت إلى التصميم "لتعطي المرأة شعورًا بمجاراة الثقافة العالمية واحترام تقاليدها في نفس الوقت"،  وتختبئ ابتكاراتها المميّزة ذات الشكل الهندسيّ والمعتدل وراء قماش الكريب والشيفون والساتان الحريريّ، والتي تبدع عباءات خفيفة وجذّابة.

 

من تصاميم المصممة فايزة بوقصة
من تصاميم المصممة فايزة بوقصة المصدر: فايزة بوقصة

 

تصاميم كاليمار للمصممة كارين رويمي تجمع بين التقليدية و الحداثة والمغرب
تصاميم كاليمار للمصممة كارين رويمي تجمع بين التقليدية و الحداثة والمغرب المصدر: كاليمار

"كارين رويمي" رائدة جريئة أخرى في عالم الموضة، إنتقلت من مهنة الصيرفة في سن الثلاثين لتصبح مرجعاً في الأسلوب والروحانية، من خلال إطلاقها "كالمار"، دار موضة يكمّل حبّها للشعر والموسيقى والفنّ والتمثيل، أُطلقت الدار للمرّة الأولى خلال أسبوع الموضة في ميلانو في شهر أيلول / سبتمبر الفائت مع مجموعة من ملابس البحر العملية والحالمة في نفس الوقت، التي استوحتها "رويمي" من إرثها المغربيّ وارتباطها العميق بمسقط رأسها.

 

تعتبر "رويمي" التي عاشت بين لندن وباريس ومراكش، أنّ "كالمار" تمثّل تكامل مثاليّ للثقافات والأساليب: "هناك جمال الألوان والأرض وسهولة النمط المغربي، لكن مع نفحة من العصريّة".

 

عبقرية "كالمار" تلخّص الموضوع، فاليوم، تتطوّر مشاهد الموضة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بديناميكيّة غير معهودة، حيث يكتسب الإبداع والثقافة والأزياء الراقية الزخم بوجود خبراء أساليب في المنطقة والعالم، ومع إزدياد اهتمام الزبائن بجمع المواهب المحلّيّة ودعمها، يبدو أن هناك صناعة موضة مستدامة وطويلة الأمد أقوى من أيّ وقت مضى.

 

ومع تزايد الطلب على الأساليب والأزياء العربية، قد تأتي الموضة في أعقاب نهضة الفن العربي المعاصر القائم في السنوات الأخيرة وتصبح حكاية نجاح مبدعة أخرى من الشرق الأوسط.

 

عن: 
سارة إلينغوورث