المفكر السعودي سعد البازعي متعاطف مع إصلاحات ولي العهد وتأثيرها على الهوية الوطنية ويدعوا المملكة العربية السعودية للشروع بالتغيير بشروطها الخاصة.
زينيت: نحن نشهد فترة تغيرات جذرية في المملكة العربية السعودية، و لكن ما هي القوة الدافعة وراء ذلك؟
سعد البازعي: أعتقد أن الدولة قد مرت بأوقات عصيبة في العقديين الماضيين، وأن الإرهاب قد بات منتشراً بشدة في كل المنطقة وقد طال السعودية حصة وفيرة منه، وعانت بالنتيجة من الكثير من المشاكل. و ذلك فإن محاربة الإرهاب تعني أولاً محاربة التطرف؛ لأن التطرف يعد المورد الأساسي للإرهاب وأعتقد أن بإمكاننا الاعتبار بأن هذا هو السبب الأساسي للتغير الذي نصبو إليه. أما السبب الآخر فهو تراجع سعر النفط وحاجة الدول إلى تغيير مسارها والبحث عن مصادر أخرى للدخل الحكومي. إن كل هذه العوامل قد حولت مسار السعودية، ووضعتها على نهج مختلف.
كيف ستبدو السعودية برأيك بعد الانتهاء من هذه العملية ؟
من الجهة الأولى أتمنى أن نصبح دولة إسلامية معتدلة ومنفتحة على غيرها من الدول و الثقافات. وأن تكون قادرة على استيعاب مختلف الأديان والطوائف المتنوعة. وبالطبع أن تصبح أكثر تسامحاً وتفهماً فيما يتعلق بالعادات الاجتماعية المتنوعة والطرق المختلفة التي يختارها الناس لعيش حياتهم.
على الجهة الثانية، يجب أن تصبح المملكة العربية السعودية أقل اعتماداً على الطاقة الطبيعية وأن تعمل على تطوير الصناعة الحديثة. من جهتي أتمنى أن نحسن العمل على استغلال الطاقة النظيفة، بأن نعمل على الاستفادة من الطاقات الطبيعية الأخرى كالرياح و الشمس، حيث أننا نملك الكثير منها لكننا لا نعيرها أي أهمية بسبب انشغالنا بالنفط.
لا أعتقد أن الهوية السعودية كدولة عربية إسلامية سوف تتغير، لكن الذي سوف يحدث أننا سنصبح دولة منفتحة بشكل أكبر على العالم المحيط بنا. وأتمنى أن تقوم السعودية بالسماح لمختلف الأشخاص بزيارتها وتسهيل إجراءات الدخول، وأن نتخلص من القلق الذي لا يزال يراودنا تجاه دخول الأشخاص للمملكة.
إن مشاهدة هذا التغير الكبير في وقت قصير نوعًا ما، يمثل تجربة "تحدي الهوية". ومع وضع ذلك في الاعتبار، يمكن القول أن "مشروع 2030" هو مشروع قومي ، وبالتالي تحويل المملكة العربية السعودية إلى دولة وطنية بالمعنى الغربي.
نعم، يتم حالياً إعادة تعريف السعودية نفسها، وعملية إعادة النظر في الهوية السعودية قد بدأت بالفعل، فالسعوديين ينظرون الآن إلى أنفسهم كمواطنين أمة وبلد. هذه المفاهيم كانت قد كُبتت من قبل عندما كان الإسلاميون أكثر سيطرة على المجتمع. في ذلك الوقت لم يكن أحد يستطيع الكلام عن" الأمة" لدرجة أنه حتى عندما تم إدخال "التعليم الوطني" في المناهج الدراسية، قوبل الوزير بمعارضة شديدة من قبل المتطرفين. وفيما بعد وعندما بدأنا بالاحتفال بـ "اليوم الوطني"، واجهنا مزيداُ من المقاومة وقد حدث الشيء نفسه عندما بدأت المدارس اليوم بعزف النشيد الوطني.
ماذا عن الوقت الحاضر؟
نحن الان نحاول تشكيل هوية تستوعب الهوية الوطنية والإسلامية على حد السواء، من دون السماح للمتشددين بتطوير أجندتهم وفرض سيطرتهم على عقول الشباب. لقد خضنا معركة طويلة وصعبة لإعادة صياغة الثقافة الوطنية، و لجعلها أكثر تسامحا واستيعاباً للآخرين. وحتى لقبول طبيعة ثقافتنا، لأنه وبعد كل شيء ٌإنها ثقافة إنسانية ، وليست ثقافة مقدسة.
لقد أعربت عن أملك في تفسير أكثر اعتدالا للإسلام، وهذا يتماشى مع ما قاله ولي العهد محمد بن سلمان من قبل. لكن هذا يعني بالضرورة أن التعاليم الحالية ليست معتدلة.
نعم، هو ما ينطوي عليه بيان ولي العهد و هذه واحدة من أهم الخطوات المتخذة. نحن لدينا الآن كماً أكبر من الصراحة في مناقشة المشاكل علانية والمزيد من الشفافية في مناقشاتنا. لكن هذا بدأ بالفعل في عهد الملك عبد العزيز، حيث أراد تحديث المملكة العربية السعودية وإنشاء دولة حديثة، حتى أنه قام بالتصدي فوراً للقوات التي كانت تعمل على إعادة السعودية إلى العهد السلفي. إن كل خطوة إلى الأمام كانت تواجه تحديات كبيرة، فعلى سبيل المثال في الستينيات من القرن الماضي، بدأ الملك فيصل في تقديم التعليم للنساء وواجه معارضة شرسة وقد حدث الشيء نفسه عندما فتحت محطات التلفزة.
هل تتوقع مقاومة أكبر تجاه الإصلاحات الجديدة؟
نعم، فخطوات التغيير نحو دولة أكثر عصرية هوجمت في كل مرة بالمعارضة. ولكن الوضع الآن قد تغير لأننا اليوم أمام وضع اقتصادي يجعل من أي اعتراض ضد الحداثة أمراً غير واقعياً، فالبلد سوف يتحرك إلى الأمام ، وآمل أن لا تضطر الحكومة إلى اللجوء إلى أي نوع من الأعمال الجبرية ،مع العلم أنها مستعدة للرد إذا احتاج الأمر. وكما قال الأمير: يجب أن نكون عدوانيين عندما نواجه تلك الجماعات التي تريد إيقاف أو تأخير عملية التغيير.
ولكن منذ تأسيس المملكة العربية السعودية الحديثة ، لم تنجح المؤسسة السلفية في التأثير على السياسة لمصلحتها فحسب ، بل إنها تهيمن أيضاً على الحياة الثقافية في البلاد. حيث يبدو من غير الواقعي أن يتخلوا عن هذه القدرة، بشكل خاص مع حدوث تغيير بمعدل غير مسبوق.
هناك مقاومة هائلة والسلطات تدرك ذلك جيدا. لهذا السبب قاموا بتعديل الخطط الأصلية بالفعل وتنفيذها بحكمة وبهدوء أكبر. على سبيل المثال ، في جدة ، تحولت العديد من المطاعم إلى النوادي الليلية أكثر أو أقل، حتى أمرهم حاكم مكة بوقف والحد من تلك الأنشطة. إن بعض الناس يريدون المضي قدماً بسرعة كبيرة وسريعة وهذا غير مجدي! حيث يجب أن تكون عملية منظمة يتم تنفيذها من قبل المنظمات المعنية و التي تتحكم في التغيير، مع الأخذ بعين الاعتبار درجة المقاومة العالية تجاه هذا التغيير.
هل يمكن أن تعطينا مثال حول كيفية تجلي هذا النقاش بالحياة اليومية؟
لقد دَعيت مرة عن طريق تويتر إلى إيجاد تعليم مختلط يجمع الشباب والبنات في الجامعات السعودية، ليس بإمكانك تخيل كمية الرسائل المعارضة التي قد استقبلتها. إن هذه علامة كافية تشير إلى كمية الرفض المتواجدة تجاه أنواع مشابهة من التغيير. إنني أعتقد وآمل أن القرارات التي يتم اتخاذها لتسريع هذا التغيير ستكون حكيمة بما فيه الكفاية لعدم المضي بسرعة كبيرة. على الرغم من أن هناك الكثير من الناس في هذا البلد الذين يعتقدون أننا نفعل الأشياء دائمًا ببطء، ولكن يجب علينا أن نتوخى الحذر وأن تُؤخذ ردود الفعل في الاعتبار.
ستكون هذه معركة صعبة ، بالنظر إلى أن المجتمع السعودي لا يزال في أجزاء رئيسية منه محافظ للغاية. وإن التفسير الوهابي للإسلام "وفقاً لهذا الطرح"، هو ما يدفع المئات من السعوديين للانضمام إلى الجماعات المتطرفة في المنطقة.
إن الربط بين التطرف و السعودية فيه الكثير من سوء الفهم. كما لو أن جميع الناس في السعودية يدعمون الإرهاب. إن الناس لا تعرف ماهية السعودية من الداخل. إننا نمتلك العديد من الليبراليين والجماعات التي تحارب من أجل التغيير و الحداثة. إن الشعب السعودي بشكل عام شعب متحضر مثله مثل أي بلد آخر. نعم، إنهم يميلون إلى أن يكونوا محافظين ولكن ليس لدرجة أن يدعمون ما يسمى بالدولة الإسلامية أو تنظيم القاعدة. في الواقع أن السعوديين أنفسهم عانوا كثيراً من الإرهاب. نعم، هناك أفراد قد دعموا هذه الجماعات، ولكنهم لا يمثلون البلد كله.
إن الثورات عادة ما تشن من الأسفل أما في السعودية فيبدو أنها تقاد من فوق.
لا يمكن لأي مجتمع أن يتغير بين ليلة وضحاها أو حتى خلال عشر سنوات. لكن التغيير كان قد بدأ بالفعل في عهد الملك عبد الله حيث بدأ عملية تغيير في التعليم عن طريق إرسال عدد كبير من الشباب السعودي للدراسة في الخارج و لقد عادوا الآن لتشكيل قوة العمل في المملكة، بالإضافة إلى بناء العديد من الجامعات. والآن يجري التغيير مرة أخرى: تمكين المرأة للعمل في الأسواق والمحلات التجارية ومجلس الشورى والحكومة. ولكن ، بالطبع ، يستغرق الأمر وقتًا حتى يتبع المجتمع هذا الخطى ،خاصة في المناطق الريفية الأكثر تحفظًا حيث يحدث التغيير هناك عادة بمعدل أبطأ. إنني أعتقد أن الخطوات التي اتخذت بالفعل ستحقق ثمارها في السنوات القادمة. في الحقيقة أن هناك العديد من الشباب يتظاهرون وراء ولي العهد، والذي يشير إلى أن لدينا بالفعل جيل من الشباب السعوديين الذين يرغبون في تغيير هذا البلد.
إننا نلاحظ الآن أن ولي العهد يكتسب سلطة أكبر من الماضي، ففي ما سبق كان هناك عدد اكبر من الاشخاص من الاسرة الحاكمة والمؤسسات الحكومية ومجموعات أخرى تشارك في عملية صنع القرار.
إن الأمر يبدو بهذه الطريقة. لكن هذا قد يكون مرحلة مؤقتة، مما يمهد الطريق لترتيبات مختلفة. لا يجب آن ننسى أن ولي العهد يعتمد أيضا على المدخلات التي تقدمها اللجان المختلفة ، وكذلك مجلس الوزراء. بالطبع، هو الشخص الذي يتخذ القرارات ويقود الطريق. لكن فيما يتعلق بالسياسة، نحن في وضع غير مسبوق حقاً. وآمل أن يتحول هذا إلى إيجابية في المستقبل القريب.
ومع ذلك، فإن مثل هذه الدرجة من اتخاذ القرار المركزي يمكن أن تعرض المشروع بأكمله للخطر وتضعف مشروعيته المتصورة.
هذه المخاطر موجودة دائما. هذا ما يجعلنا نأمل أن الأمور ستكون للأفضل.
سعد البازعي
أستاذ اللغة الإنجليزية والأدب المقارن بجامعة الملك سعود بالرياض. كما عمل البازعي كعضو في مجلس الشورى في المملكة العربية السعودية.