كل شخص يعلن مثليّته الجنسية يعرّض نفسه للاعتداء، المثليون يخفون ميولهم الجنسية خوفاً من تخييب ظن عائلاتهم بهم
سحب خليل نفساً طويلاً من سيجارته ملتفتاً إلى صاحب المقهى، ثم جال بنظره على المارة المهرولين إلى موقف الحافلة، وإلى المخبز ومقهى الإنترنت القريب، باحثين عن ملجأ من الأمطار الغزيرة وقال: " لا يهطل المطر بمثل هذه الغزارة عادةً في تونس، ولكن ما إن يحدث ذلك، حتى تغرق المدينة بالماء في غضون دقائق".
كلّ نقاشاتي مع العائلة تنصبّ حول اختيار زوجة مناسبة لي تناول تناول خليل أثناء حديثه إلينا مواضيع عدّة، فقد تطرّق إلى النّظام التعليمي في تونس، وتحدّث عن المعايير الاجتماعية والعادات والتّقاليد السائدة، وأشار إلى مسألة الزواج والمؤسّسة الزوجية في كل موضوع تحدّث عنه تقريباً، وعلّق على هذه النقطة قائلاً: " إن عينا أبي تدمعان في كل مرة يحدّثني بها عن ضرورة اتخاذ زوجة لي، وهو دائماً يذكّرني بأمنيته حضور حفل زفافي قبل أن تلحق به المنيّة"، يتذكر خليل كلام والده بتأثر واضح، خصوصاً أنه يعاني من مرض السرطان، وأنه يعلم ما تمثّل العائلة من أهمية كبيرة له.
يتابع خليل وهو يدخّن بشراهة ويحتسي فنجان قهوته: "إنّ عائلتي تطلب مني شيئاً لا يمكنني تقديمه"، ثم همس وهو مشتّت النظرات: "أنا مثليّ"، والتفت نحو الشارع مجددّاً وتابع القول: "عمري اليوم 31 سنة ومذ انهيت دراستي الجامعية، وكلّ نقاشاتي مع العائلة تنصبّ حول اختيار زوجة مناسبة لي وضرورة التّعجيل بذلك."
إن الهدف الرئيسي للحياة بالنسبة للكثير من التونسيات والتونسيين، حسب خليل، هو الزواج وبناء أسرة، لأن العائلة تضمن الشعور بالمسؤولية والأمان، وهي ما يمكن للفرد أن يعوّل عليها وقت الشّدائد
والمحن، ولكن مقابل ذلك، لا بدّ للفرد أن يلتزم بواجباتٍ تجاه هذه العائلة، والمسالة ليست محصورة فقط بالزوجة والأبناء، بل نحو الوالدين، والجدّين، والأخوال، والأعمام، وحتى أبناء العمومة وأبناء الأخوال، إن هذا النموذج من القيم العائلية مبني على عقلية أن ينصهر الجميع في بوتقةٍ واحدة.
جهل الناس بالمثليّة الجنسيّة يعود لغياب دروس علميّة حول التربية الجنسيّة في المدارس التوق الى مزيد من الحرية الشخصية.
ثمّ تحدّث خليل عن توقه إلى المزيد من الحرّية الشخصية، وذكر كيف يستمتع بحريته في كل مرّة سافر بها خارج بلده تونس إلى عاصمة غربية ما، كما عبّر عن امتعاضه من نزعة المراقبة التي يفرضها مجتمعه على الفرد، لكنه من ناحية أخرى هو معجب بالتضامن والألفة والتّآزر والكرم المجتمعي في وطنه: "هنا، في بلدي، لا يمكن للفرد أن يكون وحيداً لأننا جزء صغير جدّاً من عالم متشابكٍ ومترابطٍ، أنا لست فقط خليل المهندس، أنا الابن والحفيد والأخ والجار والزّميل ... إلخ."
يأخذ خليل بحسبانه كل كلمة كان يقولها، وأثرها على الآخرين وخاصّة على عائلته، لأن تصرّفاته وحسب تقديره، لا تحسب عليه شخصياً فقط، وإنما تؤثر على المنظومة الاجتماعية التي ينتمي إليها، فإن أخطأ التّقدير أو قام بفعل لا يتوجّب القيام به، فإن عواقب ذلك لا تعود عليه فقط، بل تنعكس على محيطه كاملاً، لذا من الضروري أن يفكّر في تبعات كلّ فعل يقوم به على محيطه.
لقد أخبرني خليل أن عائلته والمحيطين به، لا يعلمون أنه مثليّ جنسيّاً، وطلب مني عدم ذكر اسمه الكامل، كما ذكر لي كيف أن والدة شريكه الحميم السابق، لم تتوقّف عن البكاء عندما علمت أن ابنها مثليٌّ الجنس، وكيف أنها اعتكفت في بيتها، ولم تجرؤ حتى على الخروج إلى لشارع، لاتهام الجميع لها بالتقصير، وأنها لم توفر التربية الصالحة لابنها.
ثمّ حدثني كيف أن معظم مواطني بلده، يعتقدون أن التوجّه الجنسي هو محض اختيار، وكأن المثليّ جنسيّاً هو من يتخذ القرار بأن يكون حاله كذلك، أو ربّما ميوله هذه ليست سوى له ردّة فعلٍ ثائرة على مجتمعه.
ورجّح أنّ جهل الناس بالمثليّة الجنسيّة واعتقادهم أنّها مرض نفسيّ ليس إلّا، يعود لغياب دروس علميّة حول التربية الجنسيّة في المدارس، ثم أضاف: " كنت أعلم جيّداً أنني مثليّ منذ المراهقة، لكنّي لم أجرؤ قطّ على التّصريح بذلك، لأن سمعة عائلتي ستكون على المحك، وسوف تمرّغ في الطين إن علم الناس بذلك".
كما أكّد لي أن موضوع المثليّة الجنسية مسكوت عنه في تونس: "لن تجد أحداً يتحدث عن ذلك، لأن المثليّة الجنسية عند الكثيرين تعتبر قذارة وشذوذ، وفي تعارض تام مع تعاليم الدين"، لكن في ذات الوقت شدد على أنّه مسلم مؤمن بتعاليم الدين، وأنه لا يجد تعارضاً بينه كمسلم وبين هويّته الجنسيّة حسب فهمه للدين، وأكّد أن معاداة المثليّة هي نتيجة لعاداتٍ باليةٍ موروثة لا غير.
وعبّر عن اعتقاده بوجود نوعٍ من فصام في الشّخصية لدى المجتمع في علاقته مع الحداثة والتطوّر، فمن جهةٍ، يتهافت النّاس على كلّ مظاهر الحداثة، وترى أن الطّبقة المتوسطة منفتحةً على المجتمع الغربي، ولا تنزعج من طريقة عيش هذه المجتمعات، بل تعشق زيارتها والسّفر إليها، ومن جهة أخرى، تجد هذا المجتمع لايزال يرزح تحت وطأة عاداتٍ بالية، خذ مثالاً، عذرية الفتاة قبل الزواج، إذ على الفتاة أن تكون عذراء حتماً قبل زواجها، ويتابع قائلاً: " إن كان الفتيات أنفسهن غير قادرات على تقرير مع من أو متى ينشئن علاقة حميميّة، فكيف تتوقع أن تكون ردة فعل المجتمع إزاء ذكور ينشئون علاقاتٍ حميمية مع ذكور آخرين!؟ "
العيش في "كذبة متواصلة"
شأنه شأن أغلب المثليين جنسيّاً في تونس، فإنّ خليل يعيش حياةً مزدوجة، فهو في حالة نفي تامٍ لتوجّهاته الجنسيّة أمام المجتمع: "يتوجّب عليّ اختلاق أكاذيب متواصلة لأفسّر بها عدم رغبتي في الزّواج". لقد اختار خليل ملاقاة الرجال خلسةً وهو الآن في علاقة سرية مع طالب هندسة معمارية، ويخاف اكتشاف والده للحقيقة يوماً ما.
ومن حسن حظه، حسب تعبيره، أنّ المجتمع يرفض اختلاط الجنسين قبل الزّواج في السّكن، لكنه في المقابل، لا يرفض فكرة زيارة شابين لبعضهما البعض أو حتّى تقاسمهما السّكن، لذا فهو قادر على اللقاء بصديقه في شقّة هذا الأخير، في حين أنّه يواصل إيهام الجميع أن له علاقات نسائية كثيرة وأنه "دون جوان" يحبّذ اللهو والاحتفال، دون البحث عن علاقة جدية مع النساء، وهو لا يتردّد في نشر صور له مع فتيات جميلات يلتقي بهن، عندما يذهب للملاهي الليلية آخر الأسبوع.
الفتيات هنّ من يتردّدن أكثر في المصارحة بمثليتهنّ وإن نجح خليل في جعل الجميع يعتقدون أنه زير نساء، إلا أنه بالفعل يبحث عن فتاة لها توجّهات جنسيّة مثليّة ربما ليتزوّج بها، وذلك تلبية لرغبة والديه: " أنا في بحثٍ متواصلٍ عن ذلك عبر شبكات التواصل الاجتماعي التونسية التي تضم المثليين، أعرف أن هذا الحل هو غير مثالي، لأنه رغم إرضائنا لرغبة المجتمع، إلا أننا سنعيش في كذبة متواصلة يمكن أن تترتب عنها مشاكل جمّة.
ولكن هل هنالك حلول أخرى؟"...
على عكس خليل الذي أختار إخفاء حقيقة هويّته الجنسيّة، لكن توجد اليوم في تونس جمعيّات وشخصيّات ملتزمة بشكل متواصل وعلني في الدّفاع عن حقوق الأقليات الجنسيّة، وقد حصل بعض هذه الجمعيات على رخص قانونية، بدعوة أنّها تدعم حقوق الإنسان.
وشهدت مسألة المثلية الجنسيّة في تونس تطوّرات عدّة، ففي شهر آذار/ مارس 2015، تظاهر عدد من المثليين الجنسيين أمام مقر البرلمان التونسي ولأول مرة، بمناسبة احتضان البلاد لفعاليات المنتدى الاجتماعي والاقتصادي العالمي.
في شهر أيار/مايو 2015، حصلت على الترخيص أول جمعيّة تدافع عن المثلية الجنسية بشكل صريح وهي "جمعية شمس للدفاع عن المثلية الجنسية".
ورغم المحاولات التي تعرّضت لها هذه الجمعية بقصد حلّها، إلا أنها كسبت معاركها القضائية، وحازت على حكم يسمح لها بالنّشاط قانونياً، وعلى الرّغم من التقدّم الذي تشهده تونس في مجال حرية التّعبير، وتضمين الدستور الجديد للجمهورية التونسية على حق الأقليات، وحق الاختلاف، وضمان الحرمة الجسدية لكل مواطنيه، فإن الناشطين في مجال حقوق الأقليات مازالوا في وضعية هشّة بسبب العداء المجتمعي الكبير لهم، وتعرضهم للمضايقات المتواصلة، والتي وصلت إلى التهديدات بالتّصفية الجسدية.
في نيسان/ ابريل2016، وبعد ظهور أحمد بن عمر، رئيس جمعية "شمس للمثليين"، في برنامج تلفزيوني على قناة "الحوار التونسي"، نادى فيه بإعطاء المثليين حقوقهم، إضافة إلى المطالبة بإلغاء الفصل 230 من قانون العقوبات الذي يجرم اللّواط والسّحاق ويعاقب كل من يرتكبه بالسجن ثلاث سنوات.
تعرّض أحمد بن عمر إلى مضايقات متواصلة وتهديداتٍ بالقتل، حاول على إثرها الانتحار مرتين في شهر تموز/يوليو 2016.
المشكل الأساسي هو مع الناس الذي يكرهون المثليين، والذين يريدون اختلاق المشاكل الشعور بالخوف
أمّا النّاشط رامي العياري (22 سنة) وهو مؤسس جمعية "بلا قيود"، والذي لم يتردّد في الخروج عن صمته منذ سنة 2012 وإعلان مثليّته الجنسية يرى: "أن الفتيات هنّ من يتردّدن أكثر في المصارحة بمثليتهنّ، ويعتقد أن ذلك يعود الى المخاطر التي يمكن أن يتعرّضن لها في حالة إعلانهنّ أنهنّ مثليّات".
ويضيف رامي "نحن نعيش في مجتمع ذكوري"، ووضعية المثليين لن تتحسن في تونس مادامت المرأة لم تتحصل على حقوقها كاملة ومساواتها بالرجل، ومادام هذا المجتمع ذكورياً، وهنا سكت رامي عن الكلام لبرهة وأمسك فنجان القهوة، ثم استرسل قائلاً: "أغلب الناس لا يهتمون ان كنت مثلياً أم لا، ولكن المشكل الأساسي هو مع الناس الذي يكرهون المثليين، والذين يريدون اختلاق المشاكل، لذلك أتجنب ركوب الحافلة والميترو حتى لا أحتكّ بهم"، ثم أضاف "أحس في بعض الأحيان بالخوف".
في هذا الصدد، روى لي قصة إيقاف طالب مشتبه به في جريمة قتل من مدينة حمام سوسة، حيث وجدت الشرطة أثناء التحقيق، رسائل عاطفية على الهاتف المحمول للمجني عليه، وكشفت وجود علاقة مثلية تربطه بهذا الطالب وجعلت منه المشتبه الأوّل في الجريمة، وأوقفته على وجه السرعة وأخضعته "لفحص شرجي" دون موافقته، ثم تمّت إحالته بموجب الفصل 230 من قانون العقوبات، وحُكم عليه بسنة سجن من أجل ممارسة المثليّة.
وأضاف رامي أنّ الفصل 230 من قانون العقوبات، الذي صدر أثناء فترة الاستعمار الفرنسي بتونس، يتضارب مع ما ينصّ عليه الفصلان 23 و24 من الدستور التونسي المصادق عليه في كانون الثاني/يناير 2014، من حماية للحرمة الجسدية والشخصية.
ولقد فجّرت قضية الطالب ردّة فعل إعلامية كبرى وأصبحت قضية رأي عام، ولقي هذا الأخير المساندة من طرف بعض الأحزاب والمنظمات الحقوقية والشّخصيات الوطنيّة، على غرار رئيس الجمهورية التونسية المؤقت السّابق المنصف المرزوقي الذي نشر تدوينة على صفحته بمواقع التواصل الاجتماعي ينادي فيها بمنع الفحص الشرجي، كما طالب وزير العدل، محمّد صالح بن عيسى في تصريح إذاعي بإلغاء الفصل 230 من قانون العقوبات الذي يعاقب على المثلية الجنسية، معتبرا أنه لا يتلاءم مع الدستور الجديد لأنه لا يحترم الحريات الخاصّة.
لكن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، أعلن في سنة 2015، في مقابلة مع تلفزيون سي بي سي المصري، أن موقف وزير العدل لا يمثّل إلا نفسه، وطلبه هذا لا يُلزم الدولة، وأن إلغاء القانون لن يتم".
ويعتقد رامي العياري أنّه لا بد من المثابرة ومواصلة النضال من أجل إنهاء التمييز الذي يتعرض له المثليّون، مبيناً أنه على الرّغم من توفر الإمكانية له للرّحيل إلى كندا، إلا أنه رفض مغادرة تونس، إيماناً منه بضرورة البقاء في وطنه من أجل المساهمة في تغيير العقليّة السائدة حول مسألة المثليين.
البقاء في البلد أصبح غير ممكن:
في المقابل، لم يكن البقاء بتونس ممكناً بالنسبة لسرور شلواطي وهي ناشطة في جمعيات عديدة كجمعية "شوف" المدافعة عن حقوق المرأة وجمعية "بلا قيود".
سرور التي أعلنت بدورها عن مثليتها الجنسية أمام الملأ، تعرّضت إلى العنف الشديد عدة مرات، الشيء الذي دفع بها إلى طلب اللجوء إلى بلجيكيا في سنة 2015، تقول سرور أنه منذ الثورة لم تعد هنالك أي قواعد، "وأصبح كلّ يتصرف حسب هواه" حسب تعبيرها.
"كنت أذهب في السّابق إلى المقاهي التي يجلس فيها الرجال حصرياً لأشاهد مباريات كرة القدم وكنت أدخن السجائر ولم يكن أحدٌ يهتم لذلك"، ولكن وبعد الثورة، وبسبب شكلها وطريقة ارتداءها للملابس، وتسريحة شعرها القصيرة والأقراط التي تزيّن وجهها، أصبح الناس يسألونها إن كانت ذكراً أم أنثى وكانوا يعتقدون أنها ملحدة.
"في البداية، تعرّضت للعنف اللفظي فقط، ورَوَت أن كلّ شيء تغيّر في حياتها منذ أن زارها إمامٌ في شقتها الموجودة بالعاصمة والقريبة من جامع الفتح الذي "يرتاده السلفيون"، طالبها الإمام بالتحدث معه حول الإيمان، وذكرت كيف أنها أدخلته إلى شقتها وفسرت له أنها ليست ملحدة، ولكن بعد 3 أيام من زيارة الإمام لبيتها، تعرّض لها رجل مجهول في الشارع، ودفعها نحو الحائط بشدة قائلا لها: "نحن نعرف كل شيء ولقد رأى الإمام علم المثليين الجنسيين معلقاً في شقّتك".
وأكّدت سرور أنها كانت تتعرض للعنف اللفظي يومياً، ثم أضافت أنّه، ولمدة 8 أشهر، كان هنالك شاب سلفي يتبع خطاها أينما ذهبت، متّهماً إياها أنها أثرّت على الفتاة التي أحب، وحوّلتها إلى سحاقيّة، كانت تلك الفتاة صديقة سرور أيضاً، وقصّت كيف هاجمها هذا الشاب في سنة 2012 خارج شقّتها بقارورة مكسورة وجرحها جرحاً غائراً في بطنها، رقدت على إثره بالمستشفى لعدّة أيام.
لم أرغب يوماً في مغادرة البلد ، ولكنّي لم أعد أشعر بالأمان في تونس كما تحدثت عن عملية تعرضها لعنف شديد في صيف 2013 من قِبَلِ 4 شبان، تعرّفوا عليها وضربوها ضرباً مبرحاً ونعتوها "بالسّحاقية العاهرة"، أصيبت على إثرها بكسور في الأنف والقفص الصّدري، وفي ركبتها، دخلت على إثرها في غيبوبة دامت مدة أسبوعين، أفاقت بعدها وهي لا تبصر، بعد أن تسبب الضرب في انفصال شبكية عينيها وتطلّب الأمر إجراء عملية جراحية لإستراجاع بصرها.
لجأت سرور في كل مرة إلى الشرطة، وقدمت الشكاوى، لكنها "لم تؤخذ على محمل الجد" حسب ما عبّرت.
ومازالت آثار تلك الهجمات المتكررة بادية على سرور على المستوى الجسدي والنفسي، وقد حاولت تخطي ما حصل، فقامت بإخفاء الوشوم، أطالت شعرها، ثم انتقلت للسكن في
ضاحية قرطاج الرّاقية تجنباً للاختلاط مع كل من يمكن أن يضايقها، وحاولت مقاومة الانهيار النفسي الذي حصل لها، غير أنّها في ربيع 2015، تعرّضت لمحاولة عنف جديدة في العاصمة تونس من قِبَلِ مجموعة من الشبان، أكّدوا أنهم تعرفوا عليها وأنهم ينوون "تطهير البلاد من أمثالها"، وبيّنت سرور أنّ هذا الاعتداء تمّ على مقربة من عناصر من الشرطة، اللذين لم يهبّوا لنجدتها، وواصلت سرد اعتداءات أخرى تعرضت لها عندما هدّدتها مجموعة مسلّحة بسكاكين يوم 6 أيار/مايو2015 ، وهاجمها شابّان آخران يوم 20 أيار/مايو بضرب رأسها على باب سيّارة.
تقول سرور: لقد طفح بي الكيل، كانت الحادثة الأخيرة بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، ذهبت وكما في كلّ مرة لتقديم شكوى إلى الشرطة، وعوضاً من أن يتم البحث عن مرتكبي الاعتداء، فقد تمّ إعلام عائلتها القاطنة بمدينة باجة بأن ابنتهم سحاقية، وختمت سرور حديثها قائلة: " لم أرغب يوماً في مغادرة البلد، أحس أنه لا يمكنني العيش في أي بلد آخر، ولكنّي لم أعد أشعر بالأمان في تونس". وتعيش سرور حالياً في بلجيكا في انتظار حصولها رسمياً على اللجوء.
المثليّة الجنسيّة والقانون الجنائي التونسي
يجرّم الفصل 230 من قانون العقوبات، المثليّة الجنسيّة بعقوبة تصل إلى 3 سنوات سجناً ويستند هذا الفصل إلى الفقه القضائي الفرنسي، في الفترة التي خضعت تونس فيها للاستعمار الفرنسي بين عامي 1881-1956
نادت العديد من المنظّمات والجمعيات الحقوقيّة، على غرار "جمعية شمس للمثليين"، وجمعية "من غير قيود" وجمعية "شوف" و"هيومن رايتس وتش" وغيرها، بإلغاء هذا الفصل على اعتباره غير دستوري، وقوبلت جميع تلك المطالب بالّرفض من طرف الحكومة التونسية.
في أيلول/ سبتمبر 2015، وتحت الفصل 230 من قانو العقوبات، صدر الحكم بالسجن سنة كاملة، ضد الطّالب الذي عرف تحت اسم "مروان" وتحوّلت محاكمته إلى قضية رأي عام، أعادت به ملف المثليين الجنسيين للواجهة، خاصّة وأن هذا الطالب أُخضع لعملية "فحص شرجي" عنوة، وأمام ضغط المجتمع المدني ومجموعة من السياسيين، تم إطلاق سراح هذا الطالب في نهاية المطاف.
في كانون الاول/ديسمبر 2015، أصدرت محكمة ابتدائية حكما بمنع ستّة طلاّب مثليين من الإقامة في مدينة القيروان مدة خمس سنوات، قبل أن يتم حذف هذه العقوبة في الاستئناف.
البعد الدّيني في مسألة المثليّة الجنسيّة
ينصّ الدستور التونسي (2014) على أن "تونس جمهوريّة دينها الإسلام" وقضيّة المثلية الجنسية في الإسلام هي موضوع جدل ونقاش، وتعتقد نسبة كبيرة من رجال الدّين في الإسلام، أن المثليّة الجنسية محرّمة استناداً لرواية قوم لوط في القرآن، والذين نزلت بهم عقوبة إلهية نتيجة آثامٍ ارتكبوها، والمناهضون للمثليّة الجنسية، يدعمون آراءهم بروايات مشابهة في الكتب المقدّسة المسيحيّة، وعلى رأسها قصة "سدوم وعمورة"، ولكن يبقى الجدل قائماً فيما يخصّ نوعية الآثام التي ارتكبها قوم لوط والتي عوقبوا من أجلها حسب ما يرى آخرون، وأيضاً فيما يخصّ آيات قرآنية أخرى تتحدث عن "ما ملكت أيمانكم".
ترجمة: د. زياد بن عمر