الزمن اللازم للقراءة: 6 دقيقة
مقابلة مع قائدة منتخب ليبيا لكرة القدم للسيدات

"كرة القدم ساعدتنا على الاستمرار في الحياة"

مقابلة
فتيات يلعبن كرة القدم على اضواء السيارات
مشهد من فيلم "حقول الحرية". المنتخب النسائي الليبي يتدرب ليلاً على أضواء السيارات. المصور: نزيهة عريبي من فيلم حقول الحرية

قادت لاعبة كرة القدم "فدوى الباهي" المنتخب الوطني الليبي للسيدات خلال الحرب الأهلية وتحت نيران الاشتباكات بين المتشددين الدينيين. حديث حول شجاعة السيدات وعن الجمعيات الجبانة.

زينيت: في عهد القذافي، كانت كرة القدم مسموحة للسيدات، لكنه في أغلب اللأوقات كانت المباريات تجري في ملاعب خاصة بعيدة عن أعين المشجعين. هل كان أحد يهتم بكم؟

فدوى الباهي: قبل الثورة، لم يكن يسمح لنا باللعب مع أننا المنتخب الوطني. كنّا نتدرب بشكل مستمر، لكن، وقبل موعد كل مباراة يتم إلغاء اللقاء دون أن نعرف السبب في ذلك. أو في ما إذا كانت المشكة مادية أم غير ذلك. أما بعد الثورة، أصبح المتشددون دينياً هم الذين يمنعوننا من اللعب. مع ذلك، تمكنّا من السفر إلى لبنان ولعبنا مباراة ودية هناك. قمنا بتنظيم كل شيء بأنفسنا.

 

كيف بدأت مسيرتك مع كرة القدم؟

ولدت في عائلة فيها أربع فتيات وصبي واحد وأنا الأصغر سنا بينهم. ولطالما تمنى أخي أن يحظى بشقيق يلعب معه كرة القدم، لكني كنت الخيار المتاح له، فبدأ كل شيء من هنا. بدأنا نلعب وأخذ يدربني ويشرح لي: "لا يحق لك لمس الكرة بيدك!" هكذا تعلمت قواعد اللعبة وأخذتها معي إلى الشارع. كنت أعود إلى المنزل في كل يوم لأكمل فروضي ثم أخرج للعب كرة القدم.    

"إن أرادوا النهوض بالمنتخب الوطني، فالأمر لا يقتصر على جمع بضعة فتيات وإلباسهن اللباس الرياضية."

 

هل يعرضك ولعك بكرة القدم للخطر؟

لا تتوانى النساء في ليبيا عن إظهار قوتهن، لكن المتشددين في المجتمع يحاولون ممارسة الضغط عليهن. أعتبر نفسي محظوظة لكوني ولدت في عائلة متحررة. جعل ذلك الأمر أسهل علي، على الأقل لم أعاني ما عانته الأخريات. لقد مررنا بالكثير من العقبات. في إحدى المرات، قام أحدهم بتصورينا خلال التدريب ونشر ذلك على فيسبوك، وصاحب نشر الفيديو موجة كبيرة من الكراهية، وتلقينا الكثير من التهديدات. يترك ذلك أثرا في حياة المرء. أصبح الجميع يعرف من نحن. بعد ذلك، أصبح فريقنا موضوع خطبة الجمعة التي نقلتها المحطات التلفزيونية. كان الإمام يشهّر بنا في العلن. كما قام تنظيم أنصار الشريعة المتشدد بإلصاق التهم فينا أيضا. لم نحن؟ فالبلاد كلها مشتعلة في الحرب الأهلية وثمة قضايا كثيرة أكثر أهمية من مجموعة سيدات يمارسن كرة القدم.

فتاة ليبية صغيرة تلعب كرة القدم في الشارع
فتاة ليبية صغيرة تلعب كرة القدم في الشارع المصور: نزيهة عريبي

لم تتمكن ليبيا من التأهل لكأس أفريقيا أو كأس العالم. هل يمكن لوم ظروف التدريب الصعبة وغياب الدعم من الدولة؟

بالتأكيد. إن أرادوا النهوض بالمنتخب الوطني، فالأمر لا يقتصر على العثور على بضعة فتيات وإلباسهن اللباس الرياضي. يتطلب الأمر أكثر من ذلك. يجب تدريبهن ودعمهن ومساعدتهن. لم يقم أحد بمساعدتنا حتى في ذروة الحملة الإعلامية ضدّنا.

"إن كرة القدم لعبة قوية للغاية إذ تستطيع تغيير طريقة تفكير اللاعبين، وذلك ما يُرعب الكثير من الناس".

 

كيف يتعامل معكم منتخب الرجال؟

لم نلتقي بمنتخب الرجال أبدا. لكن في بعض الأحيان يُظهر بعض الرجال حولنا دعمهم لنا. فمدربنا على سبيل المثال، قام بتدريبنا دون أي مقابل. لكن لأسف هؤلاء قِلّة. عددهم قليل بحيث يصعب العثور عليهم. فالأغلبية ضد كرة القدم للسيدات. إن كرة القدم لعبة قوية للغاية، وتستطيع تغيير طريقة تفكير اللاعبين، وذلك ما يُرعب الكثير من الناس. لا يخافون من الرياضة كرياضة، بل يخافون من تعزيز قدرات السيدات من خلالها.

 

قبل بضعة أشهر، قال نجم كرة القدم المصري محمد صلاح في مقابلة مع صحيفة Time Magazine: "علينا تغيير طريقة معاملة النساء في ثقافتنا". بعد حين خلال الكأس الأفريقية، أعطى تصريح يدعم فيه زميله عمر وردة المتهم بالتحرش الجنسي.

من المؤسف أن يكون صلاح قال ذلك. أعتقد أن أحدهم دفعه إلى قول ذلك. ربما كان ذلك الغطاء الذي سمح لوردة باستمرار مشاركته في الدورة. لا أعتقد أن صلاح شخص سيء بل أظن أنّه أدرك أنه ارتكب خطأ.

 

بعد كأس العالم في فرنسا، لفت المنتخب الأميركي للسيدات الانتباه إلى الفجوة في الأجور بين الرجال والنساء في كرة القدم. هل توافقين على ما يقوله أبطال العالم؟

إنه مطلب منطقي. المنتخب الوطني للرجال لم يفز بأي جائزة. في المقابل، في رصيد منتخب السيدات أربعة أو خمسة ألقاب. أعتقد أنّه يجب أن يتقاضين أجرا أكبر من فريق الرجال. أفهم إحباطهن.

 

لقد غيرت الثورة والحرب الأهلية ليبيا بشكل جذري. ما الذي حدث في أوساط كرة القدم بالتحديد في تلك الفترة؟

كنا نظن أن الأمور ستتحسن بعد الثورة. حلمنا أن يسمح للمنتخب الوطني باللعب! لكن حدث العكس: فالوضع ازداد سوءا. تحدد الحرب الأهلية أفكارنا وأعمالنا. خلال هذا الوقت قررنا تأسيس منظمة Hera. ساعدتنا كرة القدم على النضال في سبيل البقاء. كان هدفنا تعليم الفتيات الأخريات في ليبيا ما تدربنا عليه. كانت تلك مهمتنا.

"ما زلنا نلعب كرة القدم. مساء الجمعة أو في الصباح الباكر حين يكون الجميع نيام"

 

كيف تمكنتم من فعل ذلك أثناء الحرب؟

لقد اضطررنا إلى المواجهة. فلو لم نفعل ذلك من كان ليتجرّأ؟ من الصعب تخيّل صعوبة الوضع بالنسبة لهؤلاء الفتيات التي لم يعرفن إلا الحرب التي ولدن وترعرعن فيها.

فدوى الباهي
كانت فدوى كابتن المنتخب الليبي للسيدات. تركت الفريق عام 2016 لتؤسس منظمة Hera. أليكسا فاكون/ DISCOVER FOOTBALL

هل تشعرين أنك استسلمت عندما توقفت مسيرتك مع المنتخب الوطني؟

إنها غلطة الاتحاد. فالأشخاص نفسهم لا يزالون في مناصبهم. لم يتغير أي شيء. كنا سنضيع وقتنا بكل بساطة. لا أحد نادم على هذه الخطوة. فنحن أفضل حالا من دونهم. في بعض الأحيان نلعب كرة القدم مساء الجمعة أو في الصباح الباكر عندما يكون الجميع نيام، نذهب ونستأجر ملعبا. ربما استطاعوا أخذ المنتخب منّا لكن لا يمكنهم انتزاع اللعبة من نفوسنا.

 

ماذا يعني لك نضالك من أجل السماح بكرة القدم للسيدات والفتيات؟

في هذه الأثناء، نحاول أن نبقى بعيدين عن الأنظار. لا نريد الكثير من الدعاية ونادرا ما ننشر صورا بسبب التعليقات البغيضة التي نتعرّض لها. لذلك، لا ندعو أنفسنا ناشطات، نريد فقط المساعدة. نقوم بتنظيم ورشات عمل، وأحيانا أسأل نفسي هل يكفي ذلك؟ ألا يمكننا أن نفعل أكثر؟ ثم أرى أن الفتيات اللواتي قابلناهن في اليوم الأول قد تغيرن بحلول اليوم السابع. يكسبن ثقة بأنفسهن وتتغير لغة الجسد. هذا هو سبب عملنا  الذي نحاول ألا ننساه.

 

قامت الكاميرا بمرافقة مسيرتكم على مدى خمس سنوات لتصوير فيلم "حقول الحرية" Freedom Fields. ما كان شعورك عندما رأيت نتيجة هذا العمل؟

انتابني شعورا رائعا. شاهدت الفيلم لأول مرة في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي في خريف عام 2018. كانت دموعي تسيل طوال العرض. وشعرت بشفقة كبيرة على هؤلاء الفتيات على الرغم من أني كنت إحداهن. اليوم، أمر في مرحلة مختلفة تماما في حياتي. أنظر إلى الوراء وأقول لنفسي أن هؤلاء الفتيات قد عانوا كثيرا لمجرد أنهن أردن ممارسة كرة القدم.

 

قبل بضعة سنوات، كنت تلعبين في موقف للسيارات في الليل وإضاءة مصابيح السيارات للرؤية. اليوم، تقومين من خلال المنظمة بزيارة المدارس. ألم يتغير شيء؟

لا أعتقد ذلك. فنحن لا نزال غريبات الأطوار اللواتي يلعبن كرة القدم. المكان الذي كنا نتدرب فيه قد أقفل. إنّ اللعب هناك مستحيل إن لم نتفق مع مالك الأرض. أما مثابرتنا فهي التي تغيرت. نستمر في طرح الأسئلة ولا نستسلم. لكن لم يتغير شيء في المجتمع، فاللعب في الأماكن العامة ما زال مستحيلا.

 

ماذا تأملين لليبيا؟

لقد مرت ثمانية أعوام على الثورة ولم يتغيّر شيء. كانت آمالنا كبيرة. حلمنا بالحرية وأن نصبح كما اردنا دائماً ان نكون. لم يتحقق شيئا من ذلك. أتمنى أن يصبح للنساء مكانا في مجتمعنا. فالنساء كادحات وتقمن بتربية الأطفال ويتدبرن أمورهن بأنفسهن. أتمنى رؤية سيدة مستقلة تصبح قدوة للفتيات الصغيرات في ليبيا.


تعيش فدوى الباهي في طرابلس حيث كان قائدة المنتخب الوطني للسيدات في ليبيا. تركت فريقها عام 2016 لتؤسس منظمة Hera مع ثمانية من زملائها في الفريق. الهدف دعم الفتيات الصغيرات في ليبيا والتغلب على الحواجز الثقافية من خلال الرياضة. يقمن في ورش العمل بزيارة المدارس ومخيمات اللاجئين. رافقت الكاميرا فدى وزميلاتها لأكثر من خمس سنوات لصناعة فيلم  حقول الحرية “Freedom  Fields”   حيث تحكي المخرجة نزيهة أريبي قصة المنتخب الوطني الليبي للسيدات في فترة ما بعد الثورة. عرض الفيلم لمرة الأولى في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي.

عن: 
كاثرينا ماريا كيرستين