الزمن اللازم للقراءة: 5 دقيقة
المصالحة الاقتصادية والإدارية في تونس

مستقبل يشوبه الغموض والترقب

مقالة
احب تونس
من احدى ساحات العاصمة التونسية، تونس المصور: فريق مجلة زينيت لمجلة زينيت

لا تبدو مسيرة تونس نحو تحقيق انتقال ديموقراطي، خلال السنوات الستة التي تلت الثورة التي أطلقت في 2011، بالسهلة أو اليسيرة في ظل العديد من التحديات التي تواجه صانعي القرار على أكثر من صعيد وخاصة في المجال الاقتصادي.

حيث تواجه تونس، على صعيد الاقتصاد، تحديات عدة؛ مثل ارتفاع نسب البطالة وتدني حجم الاستثمار، بالإضافة إلى تراجع معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. كما ان الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها تونس في السنوات الأخيرة ادّت إلى تدهور السياحة وزيادة في هروب رؤوس الأموال المستثمِرَة مع انخفاض الاحتياطي من العملات الأجنبية، ليتأثر سعر صرف الدينار التونسي بشكل ملحوظ مما زاد من مستوى الركود الاقتصادي.

 

تاريخ الإصلاحات الاقتصادية بعد الثورة التونسية

 

هكذا، بدت الحاجة لإقرار حزمة من الإصلاحات الاقتصادية أكثر ضرورة من ذي قبل، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. اضطرت الحكومة التونسية للتوجه لصندوق النقد الدولي، الذي يفرض نسبة فائدة الأقل على الاقتراض، بدلًا من البنك الدولي في طلبها لقرض مالي؛ لكن هذا القرض مرتبط بعدّة شروط يفرضها الصندوق.

 

تتلخص هذه الشروط في تطبيق إصلاحات تتعلق بزيادة الضرائب، وتخفيض الأجور وتجميد التوظيف في القطاع العام مع التشجيع على التقاعد المبكر، بجانب عدد من الإجراءات التي يطالب الصندوق بتطبيقها في القطاع البنكي والتوجه لخصخصة القطاعات الحكومية التي تعاني من مشاكل أو أزمات مالية.

 

وكانت تونس قد تسلّمت الدفعة الأولى من القرض، الذي تقدّر قيمته بنحو2.9 مليار دولار أمريكي، في يونيو/حزيران 2016 والتي بلغت 320 مليون دولار، إلا أنّ الصندوق قرر تجميد صرف الدفعة الثانية،350 مليون دولار، والتي كانت مستحقة في ديسمبر/كانون الأول 2016، بسبب ما اعتبره "تباطؤًا" في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية من جانب الحكومة التونسية، ليعود ويقرر صرفها في أبريل/نيسان الماضي، مقابل وعد من الحكومة بتسريح 10 آلاف موظف حكومي، وبيع حصص عامة في شركة الطيران التونسية، وخصخصة 3 بنوك حكومية، وخفض كلفة الأجور إلى 14% من الناتج المحلي.

 

مشروع قانون المصالحة المثير للجدل!

 

لا يزال مشروع "قانون المصالحة" في المجال الاقتصادي والمالي والذي طرحه الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في العام 2015 مطروحًا للتصويت، للمرة الثالثة، في مجلس النواب التونسي رغم وجود معارضة شديدة لهذا المشروع في الشارع التونسي. حيث نظمت متعددة رفعت شعار "مانيش مسامح" (لن أسامح) رداً عليه.

 

تعتقد العديد من الجهات الحقوقية والمدنية والحزبية التونسية أن قانون المصالحة يعرقل تحقيق "العدالة الانتقالية"، برغم زعم الدولة أن القانون يسعى لتحسين الأوضاع الاقتصادية المتأزمة والتشجيع على الاستثمار، وذلك من خلال منح العفو العام لموظفي الحكومة والمسؤولين السياسيين، ورجال الأعمال المتورطين في قضايا فساد مالي مقابل حصول الدولة على تعويضات مالية عن الأموال التي نهبها هؤلاء في زمن الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي. وتحاجج هذه الجهات بأن مشروع قانون المصالحة يسمح للفاسدين والمتورطين في جرائم مالية بالإفلات من العقاب دون محاسبة، كما أنه لا يضمن استرداد الدولة لأموالها المنهوبة. أما المدافعون عن القانون، فيؤكدون أنه سيساعد على ترسيخ مناخ مستقر يوفر لرجال الأعمال جوًا من الثقة والضمانات لتوجيه أموالهم نحو المشاريع الاقتصادية في تونس.

 

ومع نفي المسؤولين التونسيين لخبر طلب صندوق النقد الدولي لإجراء تعديلات على قانون المصالحة، تذهب آراء عدة إلى أنه يتوجب على الصندوق والبنك الدولي الدفع نحو اعتقال الفاسدين ومحاربتهم لتعزيز حركة الاقتصاد التونسي.

 

الخلاف حول قانون مجلة الاستثمار

 

بدورها، لم تلقَ النسخة الجديدة من قانون الاستثمار في تونس قبول كامل من قبل الجهات السياسية في البلاد، حيث عبّرت بعض الأطراف عن كونها لا تخدم الاقتصاد المتعثر بالشكل الصحيح.

 

حيث يعتبر المعارضون لمشروع قانون المجلة الذي طرح في العام 2015 وصادق عليه البرلمان التونسي في سبتمبر/أيلول 2016، أنّ مشكلته الرئيسية تكمن في "تدليل" المستثمر الأجنبي على حساب نظيره التونسي ومنحه الكثير من المزايا دون مطالبته بالمقابل المناسب، بالإضافة لتجاهله للطبقات المهمشة كما انه لا يشجع رواد الأعمال التونسيين على تنمية استثماراتهم.

 

أما وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي ياسين إبراهيم، فقد دافع عن مشروع القانون في مجلس نواب الشعب منوهاً لسعي المجلة الجديدة لتقليص البيروقراطية، واستحداث فرص عمل جديدة وتشجيع الابتكار وتفعيل التنافسية على حد تعبيره.

 

وتحدد المجلة 3 هيئات لحوكمة الاستثمار وهي عبارة عن المجلس الأعلى للاستثمار برئاسة رئيس الحكومة، والهيئة التونسية للاستثمار التي تمارس أعمالها تحت إشراف الوزارة المكلفة بالاستثمار، بالإضافة للصندوق التونسي للاستثمار الذي يباشر مهامه تحت هيئة رقابة برئاسة الوزير المكلف بالاستثمار.

 

ما الذي قدمه مؤتمر الاستثمار في تونس للمستثمرين؟

 

عقد المؤتمر الدولي للاستثمار (تونس 2020) في تونس من 29-30 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 حيث سعى القائمون عليه لتقديم مزيد من "الوعود الاستثمارية" للجهات الحاضرة لتنشيط الإقبال على إنشاء المشاريع الاستثمارية في البلاد ودفع عجلة الاقتصاد.

 

وكانت الحكومة التونسية قد عرضت على المستثمرين الحاضرين من 70 دولة أكثر من 100 مشروع في قطاعات متعددة كالصناعة والخدمات والاتصالات حيث تبلغ قيمتها مجتمعة نحو30 مليار دولار.
نتج عن المؤتمر–بحسب رئيس حكومتها يوسف الشاهد- أن حصلت تونس على نحو 15.4 مليار دولار توزعت بين اتفاقيات وتعهدات مالية.

 

الاستثمار الخليجي

 

ينشط صندوق الصداقة القطري في البلاد منذ العام 2013، وقد أنشئ بهدف دعم ريادة الأعمال بين الشباب التونسي حيث قدم تمويلًا لنحو 900 مشروع في مختلف أنحاء تونس. وكان أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قد شارك في أعمال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي للاستثمار ليعلن دعم قطر للاستثمار في تونس بمبلغ 1.25 مليار دولار أمريكي.

 

وضمن خطط التشجيع على الاستثمار، كانت الدولة التونسية قد أعلنت العام الماضي أنها قد عرضت على مستثمرين سعوديين تنفيذ عدة مشاريع في القطاع الصناعي والسياحي مع منحهم التسهيلات اللازمة لذلك، وذلك ضمن أملها أن تساهم الاستثمارات الخليجية في تحريك المناخ الاقتصادي وتوفير فرص عمل جديدة للشباب التونسي الذي يعاني من أزمة بطالة خانقة. وتتواجد الإمارات في قطاع الاستثمار في تونس من خلال مشاريع المقاولات وأشهرها مشروع "سما دبي". ومن الملاحظ ميل المستثمرين الخليجين عمومًا لوضع أموالهم في قطاعات ربحية آمنة مثل قطاع العقارات والمقاولات، لضمان تحصيل أموالهم.

 

الشيخ خليفة بن جاسم آل ثاني رئيس اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي كان قد أكد في تصريح له في العام 2014 أن إجمالي الاستثمارات الخليجية في تونس بلغ نحو 4.4 مليار دولار.

 

وضع الاستثمارات الأجنبية في تونس

 

يعود تاريخ الاستثمارات الأجنبية في تونس إلى ما قبل الثورة، حيث تظهر الإحصاءات حصول دول الاتحاد الأوروبي على ما نسبته 91% من الاستثمارات في البلاد. تأتي فرنسا في مقدمة هذه الدول، بنسبة 42% من إجمالي الاستثمارات في البلاد، أما مجال الطاقة، فيشهد تصدر بريطانيا، بالإضافة لإيطاليا والنمسا والولايات المتحدة الأمريكية. بينما شهدت المرحلة التي تلت بن علي تزايد الاستثمارات الألمانية في القطاع الصناعي، ودخول تركيا بقوة على خط الاستثمارات وذلك حين أعلن رئيس الوزراء التركي في عام 2014نية بلاده بتخصيص أكثر من 470 مليون دولار موجهة للاستثمار في تونس.

 

على الرغم من أنّ التقرير الثالث لوكالة الترقيم السيادي لوكالة "موديز" قد أعاد تصنيف الوضع في تونس ضمن "السلبي" بدلًا من "مستقر"، مما قد ينفّر المستثمرين، إلا أنّ السيد "فيرنر هوير" رئيس بنك الاستثمار الأوروبي كان قد أعلن في مؤتمر "تونس 2020" أنّ تونس ستستفيد من مخصصات تمويل قد تصل قيمتها إلى 2.5 مليار يورو بحلول عام 2020 لدعم النمو الشامل والمستدام وتوفير فرص عمل للشباب التونسي.

 

في انتظار ما ستؤول إليه الجهود التونسية لتحسين الوضع الاقتصادي المتراجع بعد الثورة، وضغط الشارع التونسي والجهات المختلفة بخصوص القوانين الخلافية كقانون المصالحة الاقتصادية وغيرها، وفي ظل العقبات السياسية والمالية المتعددة، أصبح من الضروري ان تعمل حكومة البلاد على تحسين المناخ الاستثماري وتوفير فرص عمل للشباب العاطل عن العمل.

عن: 
ميساء الخضير